وكان بعضُ أهل العربية يقولُ: معناه خوِّفهم بما نزل بعاد وثمود وأشباههم مِن العذابِ، وبالعفو عن الآخرين. قال: وهو في المعنى كقولك: خُذهم بالشدَّةِ واللين.
وقال آخرون منهم (١): قد وجَدنا لتسمية النعم بالأيام شاهدًا في كلامهم. ثم اسْتَشْهَد لذلك بقول عمرو بن كلثوم (٢).
وأيام لنا غُرٍّ طِوَالٍ … عصَينا المَلْكَ فيها أن نَدِينا
وقال: فقد يكون إنما جعَلها غرًّا طوالًا؛ لإنعامهم على الناس فيها. قال: فهذا شاهد لمن قال: ﴿وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ بنِعَمِ اللهِ، ثم قال: وقد يكون تسميتها غرًّا، لعُلُوِّهم على الملِكِ وامتناعهم فأيامهم غرٌّ لهم، وطوالٌ على أعدائهم.
قال أبو جعفر: وليس للذى قال هذا القائلُ (٣)؛ مِن أن في هذا البيت دليلا على أن الأيامَ معناها النعم - وجهٌ؛ لأن عمرو بن كلثوم إنما وصف ما وصف مِن الأيام بأنها غرٌّ، لعزِّ عشيرته فيها، وامتناعهم على الملكِ من الإذعانِ له بالطاعة، وذلك كقول الناس: ما كان لفلانٍ قطُّ يومٌ أبيضُ. يعنون بذلك أنه لم يَكُنْ له يوم مذكورٌ بخير، وأما وصفه إياها بالطُّولِ، فإنها لا توصف بالطول إلا في حال شدَّةٍ، كما قال النابغة (٤):
كِلِيني لهمٍّ يا أُميمَةَ ناصب … وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ
فإنما وصَفها عمرٌو بالطولِ لشدةِ مكروهها على أعداء قومه، ولا وجه لذلك
(١) نقل هذا القول أبو بكر الأنبارى عن أبي عبيدة، في شرح القصائد السبع ص ٣٨٩. (٢) شرح القصائد السبع لأبي بكر الأنبارى ص ٣٨٨. (٣) في م: "القول". (٤) ديوانه ص ٥٤.