ويقولُ النبيُّ ﷺ:"ادْنُ". حتى وضَع يَدَيه على ركبتيْه، وحنَى عليه، واستلَّ أرْبَدُ السيفَ، فاسْتَلَّ منه قليلًا؛ فلما رأى النبيُّ ﷺ بَرِيقَه، تعوَّذ بآيةٍ كان يَتَعَوَّذُ بها، فيَبِسَت يدُ أربدَ على السيفِ، فبعَث اللَّهُ عليه صاعقةً فأحْرَقَتْه (١)، فذلك قولُ أخيه (٢):
أخشى على أرْبَدَ الحتوفَ ولا … أرْهَبُ نَوْءَ السماكِ والأسَدِ
وقد ذكَرتُ قبلُ خبرَ عبدِ الرحمنِ بن زيدٍ بنحوِ هذه القصةِ (٥).
وقولُه: ﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ﴾. يقولُ: وهؤلاء الذين أصابهم اللَّهُ بالصواعقِ، أصابهم بها (٦) في حالِ خُصومتِهم في اللَّهِ ﷿ لرسولِه ﷺ.
وقولُه: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: واللَّهُ شديدةٌ مُماحلتُه في عقوبةِ مَن طغَى عليه وعَتَا، وتمادى في كفرِه. والمِحالُ مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: ما حَلتُ فلانًا. فأنا أُماحِلُه مُماحلةً ومِحالًا، وفَعَلْتُ منه: مَحَلتُ أَمْحَلُ محْلًا: إذا عرَّض رجلٌ رجلًا لما يُهْلِكُه؛ ومنه قولُه:(٧): "وماحلٌ مُصَدَّقٌ"(٨)؛ ومنه قولُ أعشى
(١) في ص: "فاحترق". (٢) البيتان للبيد بن ربيعة وقد تقدما في ص ٤٧٠. (٣) في الديوان، وفيما تقدم الموضع السابق: "الرعد". (٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ٥٢ إلى المصنف وأبى الشيخ. (٥) انظر ما تقدم في ص ٣٧٩. (٦) سقط من: م. (٧) أي: قول النبي ﷺ. (٨) هذا جزء من حديث أخرجه ابن حبان في صحيحه (١٢٤ - إحسان) من حديث جابر بلفظ: "القرآن مشفع، وماحل مصدق … ".