وكان بعضُ أهلِ العلمِ بكلامِ العربِ يقولُ: السُّوءُ الهَّلكةُ. ويقولُ: كلُّ جُذامٍ وبرصٍ وعَمًى وبلاءٍ عظيمٍ فهو "سُوءٌ" مضمومُ الأوّلِ، وإذا فُتِح أولُه فهو مصدرُ "سُؤْت"، ومنه قولُهم: رجلُ سَوْءٍ.
واختلَف أهلُ العربيةِ في معنى قولِه: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾؛ فقال بعضُ نحويِّى أهلِ البصرةِ: معنى قولِه: ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾: ومن هو ظاهرٌ بالليلِ، من قولِهم: خَفَيْتُ الشئَ، إذا أظهرتَه، وكما قال امرؤُ القيسِ (١):
فإن تَكْتُمُوا الداءَ لا نَخْفِه … وإن تَبْعَثُوا الحربَ لا نَقْعُدِ
وقال: وقد قُرِئ: (أكادُ أَخْفِيها)(٢)[طه: ١٥]. بمعنى: أُظْهِرُها. وقال في قولِه: ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾: الساربُ هو المتوارِى. كأنه وجَّهَه إلى أنه صار في السَّرَبِ بالنهارِ مستخفيًا.
وقال بعضُ نحويِّى البصرةِ والكوفةِ: إنما معنى ذلك ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ﴾، أي مستَتِرٌ بالليلِ، من الاستخفاءِ، ﴿وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾، وذاهبٌ بالنهارِ، من قولِهم: سَرَبَت الإبلُ إلى الرَّعْى. وذلك ذهابُها إلى المراعى، وخروجُها إليها وقيل: إن السُّروبَ بالعشيِّ، والسُّروحَ بالغداةِ.
واختلَفوا أيضًا في تأنيثِ "معقِّبات"، وهى صفةٌ لغيرِ الإناثِ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: إنما أُنِّثَتْ لكثرةِ ذلك منها، نحوَ نَسَّابةٍ وعلّامةٍ، ثم ذُكِّر؛ لأن المعنى مذكرٌ، فقال: يَحْفَظُونه.
(١) ديوانه ص ١٨٦. (٢) القراءة شاذة، ينظر البحر المحيط ٦/ ٢٣٢.