فقرَّب إليهم الطعامَ، فلما رأى أيديَهم لا تَصِلُ إليه نَكِرهم وأوجَس منهم خيفةً، وسارَةُ وراءَ البيتِ تسمَعُ، قالوا: لا تخَفْ إنا نُبَشِّرُك بغلامٍ حليمٍ مباركٍ. فبشَّر به امرأتَه سارةَ، فضَحِكت وعَجِبت: كيف يكونُ لسنِّي (١) ولدٌ، وأنا عجوزٌ وهو شيخٌ كبيرٌ؟! فقالوا:[لا تعجَبي](٢) من أمرِ اللَّهِ، فإنه قادرٌ على ما يشاءُ، فقد وَهَبه اللَّهُ لكم، فأبشِروا به (٣).
وقد قال بعضُ مَن كان يتأوَّلُ هذا التأويلَ: إن هذا من المُقدَّمِ الذي معناه التأخيرُ. كأنَّ معنى الكلامِ عندَه: وامرأتُه قائمةٌ، فبشَّرناها بإسحاقَ. ومِن وراءِ إسحاقَ يعقوبَ، فضَحِكت وقالت: يا ويلتا، ألِدُ (٤) وأنا عجوزٌ؟!
وقال آخرون: بل معنى قولِه: ﴿فَضَحِكَتْ﴾. في هذا الموضِع: حاضَت (٥).
ذكرُ من قال ذلك
حدَّثني سعيدُ بنُ عمرٍو السَّكُونيُّ، قال: ثنا بقيةُ بنُ الوليدِ، عن عليِّ بنِ هارونَ، عن عمرِو بنِ الأزهرِ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿فَضَحِكَتْ﴾. قال: حاضَت، وكانت ابنةَ بضعٍ وتسعين سنةً. قال: وكان إبراهيمُ ابنَ مائةِ سنةٍ (٦).
(١) في م: "لي". (٢) في م، ت ١، ت ٢، س، ف: "أتعجبين". (٣) أخرجه ابن أبي حاتم ٦/ ٢٠٥٥ من طريق إسماعيل به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٣٩ إلى ابن المنذر، قال ابن كثير ٤/ ٢٦٥: وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها. اهـ. (٤) في م، ت ١: "أألد". (٥) في ص، م، ت ١، ت ٢، س: "فحاضت"، وفي ف: "فحضت". (٦) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ٣٤٠ إلى المصنف.