حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا عبدُ اللِه بن صالح، قال: ثني معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾، ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [يونسُ: ١٠٠]. ونحوَ هذا في القرآنِ، فإن رسولَ اللهِ ﷺ كان يحرِصُ أن يؤمِنَ جميعُ الناسِ ويُتابعوه (١) على الهُدى، فأخبرَه اللهُ أنه لا يؤمنُ [مِن قومِه](٢) إلا مِن قد (٣) سبَق له مِن اللهِ السعادةُ في الذكرِ الأوّلِ، ولا يَضِلُّ إلا مَن سَبَقَ له مِن اللهِ الشقاءُ فى الذكرِ الأوَّلِ (٤).
فإن قال قائلٌ: فما وجهُ قولِه: ﴿لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾، فالكلُّ يدلُّ على الجميعِ، والجميعُ على الكلِّ، فما وجهُ تكرارِ ذلك، وكلُّ واحدةٍ منهما تُغْنى عن الأخرى؟
قيل: قد اختلَف أهلُ العربيةِ فى ذلك؛ فقال بعضُ نحويِّى أهلِ البصرةِ: جاء بقولِه: ﴿جَمِيعًا﴾ فى هذا الموضعِ توكيدًا، كما قال: ﴿لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل: ٥١]. ففى قوله: ﴿إِلَهَيْنِ﴾ دليلٌ على الاثنين.
وقال غيره: جاء بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾ بعد ﴿كُلُّهُمْ﴾؛ لأن ﴿جَمِيعًا﴾ لا، تقعُ إلا توكيدًا، ﴿كُلُّهُمْ﴾ يقعُ توكيدًا و اسمًا؛ فلذلك جاء بـ ﴿جَمِيعًا﴾ بعد ﴿كُلُّهُمْ﴾. قال: ولو قيل: إنه جمَع بينَهما ليُعْلمَ أن معناهما واحدٌ لجاز
(١) في ص، ت ١، ت،٢، س، ف: "يبايعوه". (٢) سقط من: ص، ت ٢. (٣) سقط من: ص، س. (٤) أخرجه ابن أبي حاتم فى تفسيره ٤/ ٢٨٤ (٧٢٥٠)، والطبراني في الكبير (١٣٠٢٥)، والبيهقي في الأسماء والصفات (١٣٩) من طريق عبد الله بن صالح به.