فإن قال لنا قائلٌ: وكيف كانوا يَلْبِسون الحقَّ بالباطلِ وهم كفارٌ؟ وأىُّ حقٍّ كانوا عليه مع كفرِهم باللهِ؟
قيل: إنه كان فيهم مُنافِقون منهم يُظْهِرون التَّصْديقَ بمحمدٍ ﷺ ويَسْتَبْطِنون الكفرَ به، وكان عُظْمُهم يَقُولون: محمدٌ نبىٌّ مبعوثٌ، إلا أنه مبعوثٌ إلى غيرِنا. فكان لَبْسُ المنافقِ منهم الحقَّ بالباطلِ إظهارَه الحقَّ بلسانِه وإقرارَه بمحمدٍ ﷺ وبما جاء به جِهارًا، وخلْطَه ذلك الظاهرَ مِن الحقِّ بالباطلِ الذى يَسْتَبْطِنُه، وكان لَبْسُ المُقِرِّ منهم بأنه مَبعوثٌ إلى غيرِهم، الجاحدِ أنه مبعوثٌ إليهم، إقرارَه بأنه مبعوثٌ إلى غيرِهم -وهو الحقُّ- وجحودَه أنه مَبعوثٌ إليهم وهو الباطلُ، وقد بعَثه اللهُ إلى الخلقِ كافَّةً، فذلك خلْطُهم الحقَّ بالباطلِ ولَبْسُهم إياه به.
كما حدَّثنا أبو كُرَيْبٍ، قال: حدَّثنا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا بشرُ بنُ عُمارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾. قال: لا تَخْلِطوا الصدقَ بالكذبِ (٢).
حدَّثنى المُثَنَّى، قال: حدَّثنا آدمُ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ، عن الربيعِ، عن أبي العاليةِ: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾. يقولُ: لا تَخْلِطوا الحقَّ بالباطلِ، وأدُّوا
(١) شرح ديوان الأخطل ص ٣٤٧. (٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٦٤ إلى المصنف.