يومئذٍ: لن تُغْلَبَ اليومَ بكثرةٍ، قال: وذُكِر لنا أن الطُّلقاءَ انْجَفَلوا (١) يومَئذٍ بالناسِ، وجَلوا عن نبيِّ اللهِ ﷺ، حتى نَزَل عن بَغْلَتِهِ الشَّهْباءِ. وذُكِر لنا أن نبيَّ اللهِ قال:"أي ربِّ، آتِنى ما وَعَدْتَنى"(٢). قال: والعباسُ آخِذٌ بلجامِ بغلةِ رسولِ اللهِ ﷺ فقال له النبيُّ ﷺ: "نادِ: يا مَعْشرَ الأنصارِ، ويا مَعْشَرَ المُهَاجِرِين"(٣). فجَعَل يُنادِى الأنصارَ فَخِذًا فَخِذًا ثم قال:"نادِ يا أصحابَ سورةِ البقرةِ"(٤). قال: فجاء الناسُ عُنقًا واحدًا. فالتَفَتَ نبيُّ اللهِ ﷺ، وَإذا عِصَابَةٌ مِن الأَنصارِ، فقال:"هلْ معكم غيرُكم؟ ". فقالوا: يا نبيُّ اللهِ ﷺ، واللهِ لو عَمَدْتَ إِلى بَرْكِ الغِمَادِ (٥) مِن ذِى يَمَنٍ لكُنَّا معك. ثم أَنْزَل اللهُ نصرَه، وهَزَم عدوّهم، وتَراجَع المسلمون. قال: وأخَذ رسولُ اللهِ كَفًّا من ترابٍ، أو قَبْضةً مِن حَصْباءَ، فرَمَى بها وجوهَ الكفارِ، وقال:"شاهَتِ الوجوهُ". فانْهَزموا. فلما جَمَع رسولُ الله ﷺ الغنائمَ، وأتَى الِجْعرانةَ، فقَسَم بها مَغانمَ حُنَينٍ، وتألَّفَ أُناسًا مِن الناسِ فيهم؛ أبو سفيانَ بنُ حَرْبٍ، والحارثُ بن هشامٍ، وسُهيلُ بنُ عمرٍو، والأَقْرَعُ بنُ حابسٍ، فقالت الأنصارُ: أمِن (٦) الرجلُ وآثرَ (٧) قومَه. فبَلَغ ذلك رسولَ اللهِ ﷺ، وهو في قُبَّةٍ له مِن أدَمٍ، فقال:"يا معشر الأنصارِ، ما هذا الذي بَلَغنى؟ ألم تَكونوا ضُلَّالًا فَهَدَاكم اللهُ، وكنتم أَذِلَّةً فأعزَّكم اللهُ، وكنتم وكنتم". قال: فقال سعدُ بنُ عُبادةَ،﵀: ائْذَنْ لي فأَتكَلَّمَ. قال:"تَكَلَّمْ". قال: أمَّا قولُك: "كنتم ضُلَّالًا فهَداكم اللهُ". فكُنَّا كذلك
(١) أي: ذهبوا مسرعين. ينظر النهاية ١/ ٢٧٩. (٢) كذا في النسخ. والمحفوظ أنه من قول النبي ﷺ في بدر. (٣) أخرجه مسلم (١٣٥/ ١٠٥٩، ١٣٦) من حديث أنس. (٤) أخرجه أحمد ٣/ ٢٩٨ (١٧٧٦). (٥) برك الغماد: بفتح الباء وكسرها وضم الغين وكسرها، في أقصى اليمن. معجم ما استعجم ١/ ٢٤٤. (٦) في م: "حن". (٧) في م: "إلى".