ما لنا لا نسمعُ من قومِكم حِسًّا؟ فقالوا لرجلٍ: اصعد الحائطَ، وانْظُرْ ما شأنهم. فصعِد الحائط فرآهم يموجُ بعضُهم في بعض، قد مُسخوا قردةً، فقال لقومه: تعالوا فانظُروا إلى قومكم ما لَقُوا. فصعدوا، فجعلوا ينظُرونَ إلى الرجل فيتوسَّمونَ فيه، فيقولون: أيْ فلانُ، أنت فلان؟ فيومئُ بيدِه إلى صدرِه: أي نعم، بما كسَبتْ يداىَ.
حدثني يعقوبُ وابن وكيعٍ، قالا: ثنا ابن عُلَيةَ، عن أيوبَ، قال: تلا الحسنُ ذات يومٍ: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣)﴾. فقال: حوتٌ (١) حرَّمه الله عليهم [في يومٍ وأحلَّه](٢) لهم فيما سوَى ذلك، فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله عليهم كأنه المخاض، لا يمتنع من أحدٍ - وقلَّما رأيتُ أحدًا يُكثرُ الاهتمام بالذنب إلا واقَعه. قال: فجعلوا يَهُمُّون ويُمسكون حتى أخذُوه، فأكلوا أوخَمَ أكلة أكلها قومٌ قطُّ، [أبقَى خِزْيًا](٣) في الدنيا، وأشدَّ عقوبةً في الآخرة، وايْمُ الله، [ما حُوتٌ أَخَذه قومٌ فأكَلوه، أعظمَ عندَ الله من قتل رجلٍ مؤمنٍ، و](٤) لَلْمُؤمن أعظم حرمة عند الله من حوتٍ، ولكنَّ الله جعَل موعد قوم الساعةَ، والساعةُ أدْهَى وأمَرُّ (٥).
حدَّثني يونس، قال: أخبرنا سفيانُ، عن أبي موسى، عن الحسن، قال: جاءتهم الحيتانُ تَشْرَعُ في حياضهم كأنها المخاضُ، فأكلوا والله أوخمَ أكْلةٍ أكلَها
(١) في م، والدر المنثور: "كان حوتا". (٢) في ص، ت ١، ت ٢، س، ف: "يوم أحله". (٣) في م: "أثقله خزيا". (٤) زيادة من: م. وليست في مصادر التخريج. وينظر روح المعاني ٩/ ١٣٨. (٥) أخرجه ابن أبي شيبة ١٣/ ٥٣١، وابن أبي الدنيا في العقوبات (٢٢٨) من طريق ابن علية به، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٥/ ١٥٩٩ من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن به بنحوه مختصرا، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٣/ ١٣٨ إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبى الشيخ.