حدَّثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفةَ، قال: ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه.
حدَّثني الحارثُ، قال: ثنا عبدُ العزيزِ، قال: ثنا أبو سعدٍ المدنيُّ، قال: سمِعتُ مجاهدًا يقولُ: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. قال: سبيلَ الحقِّ، فَلأُضلَّنهم إلا قليلًا.
واختلف أهلُ العربيةِ في ذلك؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: معناه: لأقعُدنَّ لهم على صراطِك المستقيمِ. كما يقالُ: تَوجَّه مكةَ. أي: إلى مكةَ، كما قال الشاعرُ (١):
كأَنِّي إِذْ أَسْعَى لأَظْفَرَ طائرًا … مع النَّجْمِ في (٢) جَوِّ السماءِ يَصُوبُ
بمعنى: لأظفَرَ بطائرٍ. فألقَى الباءَ. وكما قال جل ثناؤُه: ﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٥٠]. بمعنى: أَعَجِلتُم عن أمرِ ربِّكم.
وقال بعضُ نحويِّي الكوفيين (٣): المعنى واللهُ أعلمُ: لأقعُدنَّ لهم على طريقِهم. وفي طريقِهم. قال: وإلقاءُ الصفةِ من هذا جائزٌ، كما تقولُ: قعَدتُ لك وجهَ الطريقِ، وعلى وجهِ الطريقِ؛ لأن الطريقَ صفةٌ (٤) في المعنى، فاحْتمَل ما يحتمِلُه اليومُ والليلةُ والعامُ، إذ قيل: آتِيك غدًا، وآتيك في غدٍ.
وهذا القولُ هو أَولى القولين في ذلك (٥) بالصوابِ؛ لأن القعودَ مُقْتَضٍ مكانًا
(١) التبيان ٤/ ٣٦٤. (٢) في م: "من". (٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "الكوفة". وهو قول الفراء في معاني القرآن ١/ ٣٧٥. (٤) يقصد بالصفة في الموضع الأول حرف الجر، وفي الموضع الثاني الظرف. وينظر المصحح النحوي ص ١٧٧، ١٧٨. (٥) بعده في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "عندي".