الإصلاحِ، ولكن لما كان سبباهما مختلفَين، وكان السببُ الذي به غَوَى وهَلَكَ مِن عندِ اللهِ، أضافَ ذلك إليه فقال: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾.
ولذلك (١) قال محمدُ بنُ كعبٍ القُرَظِيُّ ما (٢) حدَّثني موسى بنُ عبدِ الرحمنِ المسروقيُّ، قال: ثنا زيدُ بنُ الحُبابِ، قال: قال (٣) أبو مودودٍ: سمعتُ محمدَ بنَ كعبٍ القُرَظيَّ يقولُ: قاتَلَ اللهُ القَدَريةَ، لإبليسُ أعلمُ باللهِ منهم.
وأما قولُه: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾. فإنه يقولُ: لأَجْلِسنَّ لبنى آدمَ صراطَك المستقيمَ. يعنى: طريقَك القويمَ، وذلك دينُ الله الحقُّ، وهو الإسلامُ وشرائعُه.
وإنما معنى الكلام: لأَصُدَّنَّ بني آدمَ عن عبادتك وطاعتِك، ولأُغْوينَّهم كما أَغْويتَنِي، ولأُضِلَّنَّهم كما أضْلَلْتَني.
وذلك كما رُوِى عن [سَبْرةَ بن أبى](٤) الفاكهِ أنه سمِع النبيَّ ﷺ يقولُ: "إن الشيطانَ قَعَدَ لابنِ آدمَ بأَطْرُقِه (٥)، فَقَعَدَ له بطريقِ الإسلامِ، فقال: أَتُسْلِمُ وتَذَرُ دينَك ودينَ آبائِك؟ فَعَصاه فأسْلمَ، ثم قَعَدَ له بطريقِ الهجرةِ، فقال: أتهاجرُ وتذرُ أرضَك وسماءَك، وإنما مَثَلُ المهاجرِ كالفرسِ في الطِّوَلِ (٦)؟ فعصاه وهاجَرَ، ثم قَعَدَ له بطريقِ الجهادِ، وهو جَهْدُ النفسِ والمالِ، فقال: أتقاتلُ (٧) فَتُقْتَلُ،
(١) في م: "كذلك". (٢) في م: "فيما". (٣) في ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س، ف: "ثنا". (٤) في م: "سبرة بن". وهو قول في اسمه. وينظر تهذيب الكمال ١٠/ ٢٠٢. (٥) جمع طريق على التأنيث لأن الطريق تذكر وتؤنث؛ وجمعه على التذكير: أطرقة. ينظر النهاية ٣/ ١٢٣. (٦) قال السندى - بحاشية سنن النسائي -: هو الحبل الذي يشد أحد طرفيه في وتد والطرف الآخر في يد الفرس … ومقصوده أن المهاجر يصير كالمقيد في بلاد الغربة لا يدور إلا في بيته ولا يخالطه إلا بعض معارفه. (٧) في الأصل: "تقاتل".