وإذا كان المعنى كذلك، كان قولُه: ﴿أَحْسَنَ﴾. فعلًا ماضيًا، فيَكونُ نصبُه لذلك.
وقد يجوزُ أن يكونَ ﴿أَحْسَنَ﴾ في موضعِ خفضٍ، غيرَ أنه نُصِب، إذ كان أفعلَ، وأفعلُ لا يُجْرَى (١) في كلامِها.
فإن قيل: فبأيِّ شيءٍ خُفِض؟
قيل: ردًّا على ﴿الَّذِي﴾؛ إذ لم يَظْهَرْ له ما يَرْفَعُه.
فيكونُ تأويلُ الكلامِ حينَئذٍ: ثم آتَيْنا موسى الكتابَ تمامًا على الذي هو أحسنُ. ثم حُذِف "هو"، وجاوَر "أحسن""الذي"، [فعُرِّب بتَغْرِيبِه](٢)، إذ كان كالمعرفةِ؛ مِن أجلِ أن الألفَ واللامَ لا يَدْخُلانِه، و "الذي" مثلُه، كما تقولُ العربُ: مرَرْتُ بالذي خيرٍ منك وشرٍّ منك. وكما قال الراجزُ (٣):
إن الزُّبَيرى الذي مِثْلَ الحَلَمْ (٤)
مَشَّى (٥) بأَسْلابِكُم أهلَ العَلَمُ (٦)
فأتْبَع "مِثْلَ""الذي" في الإعرابِ، ومَن قال ذلك لم يقُل: مرَرْتُ بالذي عالمٍ. لأن "عالمًا" نكرةٌ، و "الذي" معرفةٌ، ولا تَتْبَعُ نكرةٌ معرفةً.
وقال آخرون: معنى ذلك: ﴿تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾: موسى: فيما امْتَحَنه اللهُ به في الدنيا مِن أمرِه ونهيِه.
(١) الإجراء: الصرف. كما تقدم قبل. (٢) في م: "فعرف بتعريفه"، وفى ت ١: "يعرف سعريه"، وفى ت ٢، ت ٣، س: "يعرب بتعريبه". (٣) معاني القرآن للفراء ١/ ٣٦٥، غير منسوب لقائل. (٤) الحلم، جمع حَلَمَة: وهى الصغيرة من القردان. اللسان (ح ل م). (٥) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "مسي". (٦) العلم: الجبل. اللسان (ع ل م).