وإنما فتنةُ اللهِ تعالى ذكرُه بعض خلقه ببعضٍ مخالفتُه بينَهم فيما قسَم لهم مِن الأرزاقِ والأخْلاقِ، فجعَل بعضًا غنيًّا وبعضًا فقيرًا، وبعضًا قويًّا وبعضًا ضعيفًا، فأَحْوَجَ بعضَهم إلى بعضٍ؛ اخْتبارًا منه لهم بذلك. وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ مِن أهلِ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبدُ اللهِ بنُ صالحٍ، قال: ثني معاويةُ بنُ صالحٍ، عن عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ﴾: يعني أنه جعَل بعضَهم أغْنياءَ وبعضَهم فقراءَ، فقال الأغنياءُ للفقراءِ: ﴿أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾. يعني: هداهم اللهُ. وإنما قالوا ذلك استهزاءً وسخريًّا (١).
يقولُ تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾. وهذا منه تعالى ذكرُه إجابةٌ لهؤلاءِ المشركين الذين أنْكَروا أن يَكونَ اللهُ هدَى أهلَ المَسْكَنةِ والضعفِ للحقِّ، وخذَلَهم عنه وهم أغنياءُ، وتَقْرِيرٌ لهم: أنا أعْلَمُ بمَن كان مِن خَلْقِي شاكرًا نِعْمتي،
(١) في م، س: "سخرية". والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١٢٩٩ (٧٣٤١) من طريق أبي صالح به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٤ إلى ابن المنذر. (٢) في م، ت ٢، ت ٣: "معاداة".