وذلك ضربُ أخماسٍ أُرِيدتْ … لأسداسٍ عسى ألا تكونا (١)
بمعنى وصفِ أخماسٍ. والمثلُ الشَّبهُ، يقالُ: هذا مِثْلُ الشيْءِ ومَثَلُه، كما يقال: شِبْهُه وشَبَهُه. ومنه قولُ كعبِ بنِ زهيرٍ (٢):
كانت مواعيدُ عُرْقوبٍ لها مَثلًا … وما مواعيدُها إلا الأباطيلُ (٣)
يعني شَبَهًا.
فمعنى قولِه إذن: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾: إن اللهَ لا يخشَى أن يصِفَ شبهًا لما شَبَّه به (٤).
وأما ﴿مَا﴾ التي مع "مَثل" فإنها بمعنى الذي؛ لأن معنى الكلامِ: إن اللهَ لا يستحيي أن يضربَ الذي هو بعوضةً في الصِّغرِ والقِلةِ فما فوقَها مَثلًا.
فإن قال قائلٌ: فإن كان القولُ في ذلك ما قلتَ، فما وجهُ نصبِ "البعوضة"، وقد علمتَ أن تأويلَ الكلامِ على ما تأوّلتَ: أن اللهَ لا يستحيي أن يضربَ مثَلًا الذي هو بعوضةً؛ فالبعوضةُ على قولِك في محلِّ الرفعِ، فأنَّى أتاها النصبُ؟
قيل: أتاها النصبُ من وجهين، أحدُهما: مِن أن ﴿مَا﴾ لما كانت في محلِّ نصبٍ بقولِه: ﴿يَضْرِبَ﴾ وكانتِ البعوضةُ لها صلةً، عُرِّبت (٥) بتعريبِها فأُلزِمتْ
(١) البيت في أصله مثل يضرب لمن يرواغ ويظهر أمرا وهو يريد غيره. ينظر جمهرة الأمثال ٢/ ٥. (٢) ديوانه ص ٨. (٣) أصل البيت مثل يضرب في إخلاف الوعد. وعرقوب هو عرقوب بن معبد بن أسيد بن زيد مناة، وقيل: هو رجل من الأمم الماضية. الفاخر ١٣٣، ١٣٤. (٤) هذا تتمة تفسير الكلمة على مذهب من قال: إن الاستحياء بمعنى الخشية، لا ما أخذ به الطبري. وأما تفسير الطبري فيأتي في آخر تفسير الآية. (٥) في م: "أعربت". قال الشيخ شاكر: وقوله: عربت. أي أجريت مجراها في الإعراب، وهذا هو معنى التعريب في اصطلاح قدماء النحاة.