أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾. يقولُ لعثمان:"لا تَجُبَّ نفسك، فإن هذا هو الاعتداءُ". وأمَرَهم أن يكفِّروا أيمانهم، فقال: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ (١)[المائدة: ٨٩].
حدَّثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بنُ صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن عليٍّ، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾. قال: هم رهطٌ من أصحاب النبيِّ ﷺ قالوا: نقطعُ مذاكيرنا، ونتركُ شهواتِ الدنيا، ونسيحُ في الأرض، كما يفعلُ الرهبانُ. فبلغ ذلك النبيَّ ﷺ فأرسل إليهم، فذكر ذلك لهم، فقالوا: نعم. فقال رسولُ الله ﷺ:"لكنِّي أصومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأنامُ، وأَنْكِحُ النِّساء، فمَن أخَذ بسُنَّتى فهو منِّي، ومن لم يأخُذْ بسُنَّتى فليس منِّى"(٢).
حدَّثني محمدُ بنُ سعدٍ، قال: ثنى أبى، قال: ثني عمى، قال: ثنى أبى، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾: وذلك أن رجالًا من أصحاب محمدٍ ﷺ، منهم عثمانُ بن مظعونٍ، حرَّموا النِّساء واللحم على أنفسهم، وأخَذوا الشِّفارَ ليقطعوا مذاكيرهم؛ لكى تنْقَطِعَ الشهوةُ، ويتفرَّغوا لعبادة ربِّهم، فأُخبر بذلك النبي ﷺ، فقال:"ما أردتُم؟ ". فقالوا: أردنا أن تنقطع (٣) الشهوةُ عنا، ونتفرغ لعبادة ربِّنا، ونَلْهُوَ عن النساء. فقال رسولُ الله ﷺ:"لم أُومَرْ بذلك، ولكنِّى أُمِرْتُ في دينى أن أتزوَّجَ النَّساء". فقالوا: نطيعُ رسول الله ﷺ. فأنزل الله تعالى ذِكرُه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾
(١) ذكره الزيلعى في تخريج الكشاف ١/ ٤١٧ عن المصنف ولم يسق لفظه كله، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٠٨ إلى المصنف. (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٨٧ (٦٦٨٩) من طريق عبد الله بن صالح به. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ٣٠٧ إلى ابن مردويه. (٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "نقطع".