وأولى القولين بتأويلِ الآيةِ قولُ مَن قال: كلُّ ما صاد مِن الطيرِ والسباعِ فمِن الجوارحِ، وأن صيدَ جميعِ ذلك كلِّه (١) حلالٌ إذا صاد بعدَ التعلُّمِ (٢)؛ لأن اللَّهَ جلَّ ثناؤُه عمَّ بقولِه: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾. كلَّ جارحةٍ، ولم يَخْصُصْ منها شيئًا، فكلُّ جارحةٍ كانت بالصفةِ التي وصفَ اللهُ جلَّ ثناؤُه مِن كلِّ طائرٍ وسبُعٍ فحلالٌ أكلُ صيدِها.
وقد رُوِى عن النبيِّ ﷺ بنحوِ ما قلنا في ذلك خبرٌ، مع ما في الآيةِ مِن الدَّلالةِ التي ذكَرنا على صحةِ ما قلنا في ذلك، وهو ما حدَّثنا به هنادٌ، قال: ثنا عيسى بنُ يونسَ، عن مجالدٍ، عن الشعبيِّ، عن عديِّ بن حاتمٍ، قال: سأَلتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ عن صيدِ البازِي، فقال:"ما أمْسَك عليك فكُلْ"(٣). فأباح رسولُ اللهِ ﷺ صيدَ البازِى وجعَله مِن الجوارحِ، ففى ذلك دَلالةٌ بينةٌ على فسادِ قولِ مَن قال: عنَى اللهُ جلَّ ثناؤُه بقولِه: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾. ما (٤) علَّمنا مِن الكلابِ خاصةً دُونَ غيرِها مِن سائرِ الجوارحِ.
فإن ظنَّ ظانٌّ أن في قولِه: ﴿مُكَلِّبِينَ﴾. دَلالةً على أن الجوارحَ التي ذُكِرت في قولِه: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ﴾. هي الكلابُ خاصةً، فقد ظنَّ غيرَ الصوابِ، وذلك أن معنى الآيةِ: قل: أُحِلَّ لكم أيُّها الناسُ، في حالِ مصيرِكم
(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣، س. (٢) في ص، م، ت ٢، ت ٣، س: "التعليم". (٣) أخرجه الترمذى (١٤٦٧) عن هناد به. وأخرجه ابن أبي شيبة (٥/ ٣٦٦)، والترمذى (١٤٦٧)، وابن عبد البر في الاستذكار (١٥/ ٢٩٠) من طريق عيسى بن يونس به. وأخرجه أحمد (٣٠/ ١٩٣) (١٨٢٥٨)، وأبو داود (٢٨٥١) - ومن طريقه البيهقى (٩/ ٢٣٨) - من طريق مجالد به مطولا. (٤) في الأصل: "مما".