ولقد طعَنْتَ أبا عُيينةَ طعنةً … جرَمَتْ فَزارةَ بعدَها أن يَغْضَبوا
فتأوَّل ذلك كلُّ فريقٍ (٢) منهم على المعنى الذي تأوَّله من القرآنِ، فقال الذين قالوا: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾: لا يُحِقَّنَّ لكم (٣): معنى قولِ الشاعرِ: جرَمَت فَزارةَ: أَحَقَّت الطعنةُ لفزارةَ الغضبَ.
وقال الذين قالوا معناه: لا يَحْمِلَنَّكُم: معناه في البيتِ: جرَمَت فزارةَ أن يَغْضَبوا: حمَلَت فزارةَ على أن يَغْضَبوا.
وقال آخرُ من الكوفيين (٤): معنى قولِه: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾: لا يَكْسِبَنَّكم (٥) شنآنُ قومٍ [أن تعتدوا](٦). [وتأويلُ قائلِ](٧) هذا القولِ قولَ الشاعرِ في البيتِ: جرَمَت فزارةَ: كسَبَت فزارةَ أن يَغْضَبوا. قال: وسمِعتُ العربَ تقولُ: فلانٌ جريمةُ أَهلِه. بمعنى: كاسبُهم. وخرج يجرِمُهم: يكسِبُهم.
قال أبو جعفرٍ محمدُ بنُ جريرٍ ﵀: وهذه الأقوالُ التي حكيناها عمَّن حكيناها عنه متقاربةُ المعنى. وذلك أن من حمَل رجلًا على بُغْضِ رجلٍ، فقد أَكْسَبه بغضَه، ومن أَكْسَبه بغضَه، فقد أَحَقَّه له.
(١) مجاز القرآن ١/ ١٤٧، والاشتقاق لابن دريد ص ١٩٠، ونسبه في الكتاب ٣/ ١٣٨، والخزانة إلى الفزارى، ونسبه في الاقتضاب ٢/ ٣٥، واللسان (ج ر م) إلى أبى أسماء بن الضريبة، ثم قال في الاقتضاب، وقيل: هو لعطية بن عفيف يخاطب كرزا العقيلى، كان قد قتل أبا عيينة وهو حصن بن حذيفة بن بدر الفزارى يوم الحاجر. (٢) في الأصل: "قائل". (٣) في الأصل: "عليكم". (٤) هو الفراء في معاني القرآن ١/ ٢٩٩. (٥) في ص: "يلبسنكم". (٦) سقط من: م. (٧) في الأصل: "وتأول".