واختَلَفَت القَرَأَةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾؛ فقَرَأ ذلك عامةُ قَرَأةِ الأمصارِ سِوَى لكوفةِ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ بوَاوَين، مِن: لَوانى الرجلُ حقِّى، والقومُ يَلْووننى دَيْني. وذلك إذا مَطَلُوه لَيًّا.
وقرَأ ذلك جماعةٌ مِن قَرَأةِ الكوفةِ:(وَإِنْ تَلُوا) بواوٍ واحدةٍ (١). ولقراءةِ مَن قرَأ ذلك كذلك وجهان.
أحدُهما: أن يكونَ قارِئُها أرادَ همز "الواوٍ" لانْضِمامها، ثم أسقَطَ الهمزَ، فصارَ إعرابُ الهمزِ في اللامِ إذ أسقَطَه، وبَقِيَت واوٌ واحدةً، كأنه أرادَ: تَلْؤُوا. ثم حَذَف الهمز، وإذا عَنَى هذا الوجهَ، كان معناه معنى مَن قرَأ: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا﴾ بواوَين، غيرَ أنه خالَف المعروفَ مِن كلامِ العربِ، وذلك أن الواوَ الثانيةَ مِن قولِه: ﴿تَلْوُوا﴾ واوٌ جمعٍ، وهى عَلَمٌ لمعنًى، فلا يَصِحُّ همزُها، ثم حَذْفُها بعدَ همزِها، فيَبْطُلُ عَلَمُ المعنى الذي له أُدْخِلَت الواوُ المحذوفُة.
والوجه الآخرُ: أن يكونَ قارئها كذلك، أراد:(وإن تَلُوا) مِن الولايةِ، فيكونُ معناه: وإن تَلُوا أمورَ الناس أو تَتْرُكوها. وهذا معنًى - إذا وَجَّهَ القارئُ قراءتَه، على ما وَصْفنا، إليه - خارجٌ عن معاني أهلِ التأويلِ، وما وَجَّه إليه أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ والتابعون تأويلَ الآيةِ.
فإذ كان فسادُ ذلك واضحًا مِن كِلا وَجْهَيه، فالصوابُ مِن القراءة الذي لا يَصْلُحُ غيره أن يُقرَأ به، عندَنا: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا﴾. بمعنى اللَّيِّ، الذي هو مَطْلٌ (٢)، فيكونُ تأويلُ الكلامِ: وإن تَدْفَعوا القيام بالشهادةِ على وَجْهِها لمَن لَزِمكم
(١) قرأ حمزة وابن عامر بواو واحدة واللام مضمومة. وقرأ الباقون بواوين. التيسير ص ٨١، النشر ٢/ ١٩٠. (٢) كلتا القراءتين صحيحة لأنهما متواترتان. المصدران السابقان.