والقولُ الذي هو أَولى بالصوابِ عندى في ذلك قولُ مَن قال: قولُه: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا﴾ مِن صِلة: ﴿الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾؛ لأن الخبرَين جميعًا والصِّفَتَين مِن صفة نوعٍ واحدٍ مِن الناسِ، وهم اليهودُ الذين وَصَف اللهُ جلَّ ثناؤُه صِفَتَهم في قولِه: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾. وبذلك جاء تأويلُ أهلِ التأويلِ، فلا حاجةَ بالكلامِ - إذ كان الأمرُ كذلك - إلى أن يكونَ فيه متروكٌ.
وأما تأويلِ قولِه جلَّ ثناؤُه: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾. فإنه يقولُ: يُبَدِّلون معناها ويُغَيِّرونها عن تأويلِها (٢)
والكَلِمُ جماعُ كلمةٍ، وكان مجاهدٌ يقولُ: عَنَى بالكلم التوراةَ.
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ في قولِه: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾: تَبْدِيلُ اليهودِ التوراة (٣).
حدَّثني المُثَنَّى، قال: ثنا أبو حُذَيفةَ، قال: ثنا شِبْلٌ، عن ابن أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ مثلَه (٣).
وأمَّا قولُه: ﴿عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾. فإنه يعنى: عن أماكنِه ووجوهِه التي هي وجوهُه.
(١) معاني القرآن للفراء ١/ ٢٧١. (٢) في ص، م: "تأويله". (٣) تفسير مجاهد ص ٢٨٢، ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٦٥ (٥٣٨٩). وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٢/ ١٦٨ إلى عبد بن حميد وابن المنذر، مطولًا. وستأتي بقيته.