حدَّثنا ابنُ حُميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، عن ابنِ إسحاقَ، عن محمدٍ بنِ أبى محمدٍ، عن عكرمةَ أو عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: كان كَرْدَمُ بنُ زيدٍ -حليفُ كعبِ بنِ الأشرفِ- وأسامةُ بنُ حَبيبٍ ونافِعُ بْنُ أَبِى نافعٍ، وبَحْرِيٌّ بنُ عَمرٍو، وحُيَىُّ بنُ أَخْطَبَ، ورفاعةُ بنُ زيدِ بنِ التابوتِ، يأتون رجالاً مِن الأنصارِ -وكانوا يُخالِطُونهم، يَتَنصَّحون لهم- مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فيقولون لهم: لا تُنْفِقوا أموالكم، فإِنَّا نَخْشَى عليكم الفقرَ فى ذَهابِها، ولا تُسارِعوا في النفقةِ، فإنكم لا تَدْرُون ما يكونُ. فأنْزَل اللهُ فيهم: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾. أى مِن النبوَّةِ التي فيها تصديقُ ما جاء به محمدٌ ﷺ. ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾. إلى قولِه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا﴾ (٢).
فتأويلُ الآيةِ على التأويلِ الأولِ: واللهُ لا يُحِبُّ ذَوِى الخُيَلاءِ والفخرِ الذين يَبْخَلُون بتبيينِ ما أمَرهم اللهُ بتبيينِه للناسِ مِن اسمِ محمدٍ ﷺ ونعتِه وصفتِه التي أنْزَلها في كتبِه على أنبيائِه، وهم به عالمون، ويَأْمُرون الناسَ الذين يَعْلَمون ذلك، مثلَ علمِهم [بكتمانِه مَنْ](٣) أَمَرهم اللهُ بتبيينِه له، ويَكْتُمون ما آتاهم اللهُ مِن علمِ ذلك ومعرفتِه مَن حرَّم اللهُ عليه كتمانَه إيَّاه.
وأمَّا على تأويلِ ابنِ عباسٍ وابنِ زيدٍ: إن اللهَ لا يُحِبُّ مَن كان مُختالًا فخورًا،
(١) انظر تبيان الطوسى ٣/ ١٩٦. (٢) أخرجه ابن إسحاق كما في الدر المنثور ٢/ ١٦٢، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٥٣ (٥٣٢٧) من طريق سلمة به، مختصرا وعزاه السيوطى أيضًا في الدر المنثور ٢/ ١٦٢ إلى ابن المنذر. (٣) في م: "بكتمان ما".