﴿مَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾. فاختلفتِ القرأةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأتْه عامَّةُ قرأةِ الحجاز والعراقِ: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾. بفتحِ اللامِ من: ﴿لَمَا﴾. ألا أنَّهم اختلفوا في قراءةِ: ﴿آتَيْتُكُمْ﴾؛ فقرأه بعضُهم: ﴿آتَيْتُكُمْ﴾. على التوحيد، وقرَأه آخرونَ:(آتَيْنَاكم). على الجمعِ (١).
ثم اختَلف أهلُ العربية إذا قُرِئ ذلك كذلك؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: اللامُ التي مع "ما" في أوَّلِ الكلام لامُ الابتداء، نحوَ قولِ القائلِ: لَزِيدٌ أفضلُ مِنك. لأن "ما"(٢) اسمٌ، والذي بعدها صلةٌ لها، واللامُ التي في: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ﴾. لامُ القسم، كأنه قال: والله لتُؤمِنُنَّ بِه. يُؤكِّدُ في أول الكلامِ وفى آخرِه، كما يقالُ: أما (٣) والله أن لو جِئْتَنى لكان كذا وكذا. وقد يُسْتَغْنَى عنها، فوكَّد في: ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾. باللامِ في آخرِ الكلام، وقد يُستغْنَى عنها، ويُجعلُ خبرُ: ﴿لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ مثلُ: لعبدُ اللهِ والله لتأْتِيَنَّه. قال: وإنْ شئتَ جعلتَ خبرَ "ما" ﴿مِنْ كِتَابٍ﴾. يريدُ: لما آتيتكم كتابٌ وحكمةٌ. وتكون ﴿مِنْ﴾ زائدةً.
وخطَّأ بعضُ نحويِّي الكوفيين ذلك كلَّه، وقال: اللامُ التي تدخُلُ في أوائل الجزاء [تُجابُ بجواباتِ الأيمانِ، يقالُ: لمن قامَ لآتينَّه. و](٤): لمن قامَ ما أحسن. فإذا وقع في جوابها "ما"، و"لا"، عُلم أن اللام ليست بتوكيدٍ للأولى؛ لأنه يُوضعُ مَوضعَها "ما" و "لا"، فتكونُ كالأولى، وهى جوابٌ للأولى. قال: وأمَّا قوله:
(١) قرأ حمزة وحده بكسر اللام من (لما). وقرأ الباقون بالفتح، وقرأ نافع وحده: (آتيناكم). وقرأ الباقون: ﴿آتَيْتُكُمْ﴾. السبعة لابن مجاهد ص ٢١٤. (٢) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "لما". (٣) في س: "لما". (٤) في م: "لا تجاب بما ولا لا، فلا يقال: لمن قام لا تتبعه، ولا".