وقد حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: ثنى حَجَّاجٌ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن محمدِ بن كعبٍ، قال: لو كان الله رَخَّص لأحدٍ في ترك الذِّكرِ، لرخَّص لزكريا حيثُ قال: ﴿آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ أيضًا (١).
وأمَّا قولُه: ﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ﴾. فإنه يعنى: عظِّمْ ربُّك بعبادتِه بالعشيِّ، والعشيُّ: من حين تَزولُ الشمسُ إلى أن تَغِيبَ، كما قال الشاعرُ (٢):
فلا الظِّلَّ مِن بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُهُ .... ولا الفَيْء مِن بردِ العشيِّ تَذُوقُ
فالفيءُ إِنما تَبْتَدِئُ أَوْبَتُه من عندِ زوالِ الشمسِ، وتَتَناهَى بمَغِيبِها.
وأمَّا الإبكارُ، فإنه مصدرٌ مِن قولِ القائلِ: أبْكَر فلانٌ في حاجةٍ، فهو يُبْكِرُ إبكارًا. وذلك إذا خرَج فيها من بين مطلَعِ الفجرِ إلى وقتِ الضحى، فذلك إبكارٌ. يقالُ فيه: أبْكَر (٣) فلانٌ، وبكَر يَبْكُرُ بُكُورًا، فمن الإبكارِ قولُ عمرَ بن أبي ربيعةَ (٤):
(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية ٣/ ٢١٥، وابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٦٤٦ (٣٤٨٤)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩/ ٥٢ من طريق أبي معشر به. (٢) هو حميد بن ثور الهلالى، والبيت في ديوانه ص ٤٠. (٣) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣، س: "بكر". (٤) شرح ديوانه ص ٩٢ وهو صدر بيت عجزه: "غَداةَ غدٍ أم رائحٌ فَمُهَجِّر" (٥) ديوانه ٢/ ٨٩٠.