ذكرُه ما قبلَ قولِه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ المعنى الذي في قولِه: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وهو وصفُه بأنه المَلِكُ.
فبَيِّنٌ إذن أن أوْلَى القراءتَيْن بالصوابِ، وأحقَّ التأويلين بالكتابِ، قراءةُ مَن قرَأه:(مَلِكِ يَومِ الدِّينِ) بمعنى إخلاصِ المُلْكِ له يومَ الدينِ، دون قراءةِ مَن قرأ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ بمعنى (١) أنه يَمْلِكُ الحكمَ بينَهم وفَصْلَ القَضاءِ، مُتَفَرِّدًا به دونَ سائرِ خلقِه.
فإن ظنَّ ظانٌّ أن قولَه: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ نبأٌ عن مِلْكِه إياهم في الدنيا دونَ الآخرةِ، فوجَب (٢)[وصلُ ذلك](٣) بالنبإِ عن نفسِه أنه مَن (٤) ملَكهم في الآخرةِ على نحوِ مِلْكِه إياهم في الدنيا بقولِه: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فقد أغْفَل (٥) وظنَّ خطأً؛ وذلك أنه لو جاز لظانٍّ أن يَظُنَّ أن قولَه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ محصورٌ معناه على الخبرِ عن رُبوبيتِه (٦) عالَمَ الدنيا دونَ عالَمِ الآخرةِ - مع عدمِ الدلالةِ على أن معنى ذلك كذلك في ظاهرِ التنزيلِ، أو في خبرٍ عن الرسولِ ﷺ به منقولٍ، أو بحُجةٍ موجودةٍ في المعقولِ - جاز (٧) لآخرَ أن يَظُنَّ أن ذلك محصورٌ على عالَمِ الزمانِ الذي فيه نزَل قولُه: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ دون سائرِ ما يَحْدُثُ بعدَه في الأزمنةِ الحادثةِ مِن العالَمين، إذ كان صحيحًا بما (٨) قدَّمْنا مِن البيانِ أن عالَمَ كلِّ زمانٍ
(١) في ص: "الذي بمعنى". (٢) في ص، م: "يوجب". (٣) في م: "وصله". (٤) في م، ت ٢: "قد". (٥) قال الشيخ شاكر: قوله: أغفل. فعل لازم غير متعد، ومعناه: دخل في الغفلة والنسيان ووقع فيهما، وهي عربية معرقة وإن لم توجد في المعاجم. (٦) في ر، م، ت ١، ت ٢: "ربوبية". (٧) في م: "لجاز". (٨) بعده في م، ت ٢: "قد".