المدينةِ يحمِلون الزيتَ، فلما باعُوا وأرادُوا أن يَرجِعوا، أتاهم ابنا أبى الحُصينِ. فدعَوْهما إلى النصرانيةِ فتَنَصَّرا، ورجَعا إلى الشامِ معهم، فأتى أبوهما إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال: إن ابنيَّ تَنَصَّرا وخَرَجا، فاطْلُبُهما. فقال:" ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ ". ولم يُؤْمَرْ يومئذٍ بقتالِ أهلِ الكتابِ. وقال:"أَبعَدَهما اللهُ، هما أَوَّلُ مَن كفَر". فوجَد أبو الحصينِ في نفسِه على النبيِّ ﷺ حين لم يَبْعَثْ فِي طَلَبِهما، فأَنزَل اللهُ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥]. ثم إنه نُسِخ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾. فأُمِر بقتالِ أهلِ الكتابِ (١) في سورةِ "براءة"(٢).
حدَّثني محمدُ بنُ عمرٍو، قال: ثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نَجيحٍ. عن مجاهدٍ في قولِ اللهِ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾. قال:[كانت النَّضِيرُ يهودًا](٣) أَرضَعوا رجالًا من الأوسِ، فلما أُمِر النبيُّ ﷺ بإجلائهم، قال أبناؤُهم من الأوسِ: لتذْهَبَنَّ معهم، ولَندِينَنَّ بدينِهم، فمنَعهم أهلُوهم، وأَكْرَهُوهم على الإسلامِ، ففيهم نزَلتْ هذه الآيةُ (٤).
حدَّثنا ابن وكيعٍ، قال: ثنا أبي، عن سفيانَ، وحدَّثنا أحمدُ بنُ إسحاقَ، قال: ثنا أبو أحمدَ، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن خُصَيْفٍ، عن مجاهدٍ: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي
(١) في ص، ت ١، ت ٢: "القتال". (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٩٤ عقب (٢٦١٥)، وأبو داود في ناسخه - كما في تهذيب الكمال - ٥/ ١٠٢، من طريق عمرو بن حماد به، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٢٩، إلى ابن المنذر. (٣) في ص: "كانت اليهود يهودًا"، وفى م: "كانت في اليهود يهود". (٤) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (٤٢٩ - تفسير) من طريق ابن أبي نجيح به بنحوه، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٣٢٩ إلى عبد بن حميد وابن المنذر.