وفيهم رجلٌ بارعٌ (١) عليهم، فجَعَل يَعْرِضُهم على القَرْنِ فلا يَرى شيئًا، فيقولُ لذلك الجَسيمٍ: ارجِعْ. فيُردِّدُه عليه. فأوحَى اللهُ إليه: إنا لا نأخُذُ الرجالَ على صُوَرِهم، ولكنًّا نأخُذُهم على صَلاحِ قلوبِهم. قال: يا ربِّ، قد زعَم أنه ليس له ولدٌ غيرُه. فقال: كذَب. فقال: إن ربى قد كذَّبَك، وقال: إن لك ولدًا غيرَهم. فقال: قد صدَق يا نبيَّ اللهِ، لى ولدٌ قصيرٌ، استَحْييتُ أن يَراه الناسُ، فجعَلتُه في الغنمِ. قال: فأين هو؟ قال: في شِعْبِ كذا وكذا، من جبل كذا وكذا. فخرَج إليه، فوجَد الوادىَ قد سال بينَه وبينَ البقعةِ (٢) التي كان يُرِيحُ (٣) إليها، قال: وَوَجَده يحمِلُ شاتَيْنِ شاتَين (٤) يُجِيزُ بهما، ولا يخوضُ بهما السَّيلَ، فلما رآه قال: هذا هو لا شكَّ فيه، هذا يرحَمُ البهائمَ، فهو بالناسِ أرحمُ. قال: فوضَع القرنَ على رأسِه ففاض. فقال له: ابنَ أخى، هل رأيتَ ههنا من شيءٍ يُعْجِبُك؟ قال: نعم، إذا سبَّحتُ سبَّحَت معى الجبالُ، وإذا أتَى النَّمِرُ أو الذئبُ أو السَّبُعُ أخَذ شاةً، قُمْتُ إليه، فأفتَحُ لَحْيَيه عنها، فلا يَهِيجُنى. قال: وألفَى معه صُفْنَه (٥). قال: فمر بثلاثةِ أحجارٍ يَنْتَزى (٦) بعضُها على بعضٍ، كلُّ واحدٍ منها يقولُ: أنا الذي يأخُذُ. ويقولُ هذا: لا، بل إياى يأخُذُ. ويقولُ الآخرُ مثلَ ذلك. قال: فأخَذهنَّ جميعًا، فطَرَحهن (٧) في صُفْنِه، فلما جاء مع النبيِّ ﵇ وخرَجوا، قال لهم نبيُّهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾. فكان من
(١) بارع: تم في كل فضيلة وجمال وفاق أصحابه في العلم وغيره. اللسان (ب ر ع). (٢) سقط من النسخ. والمثبت من تاريخ المصنف. (٣) الإراحة: رد الإبل والغنم من العشى إلى مُرَاحها، والمراح: المناخ والمأوى. تاج العروس (ر و ح). (٤) سقط من النسخ. والمثبت من تاريخ المصنف. (٥) الصفن: خريطة يكون للراعى فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه. اللسان (ص ف ن). (٦) في م: "يأثر"، وفى س: "يدير". ورسمت في بقية النسخ كما أثبتناها إلا أنها غير منقوطة، وينتزى: يثب. وقد تكون ينبرى، من: انبرى؛ إذا عرض له. (٧) في س: "فوضعهن".