ولما قلنا مِن أن معنَى ذلك كذلك، جازَ نصبُ "الرجالِ" بالمعنى المحذوفِ، وذلك أن العربَ تفعَلُ ذلك في الجزاءِ خاصةً؛ لأن ثانيه شبيهٌ بالمعطوفِ على أوَّلِه، ويُبَيِّنُ ذلك أنهم يقولون: إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا. بمعنى: إن تفعَل خيرًا تُصِبْ خيرًا، وإن تفعَلْ شَرًّا تُصِبْ شرًّا. فيَعْطِفون (١) الجوابَ على الأولِ لانجزامِ الثاني بجزمِ الأولِ، فكذلك قولُه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾، بمعنى: إنْ خِفْتُم أن تُصلُّوا قيامًا بالأرضِ، فصلُّوا رِجالًا.
والرِّجالُ جمعُ رَاجلٍ ورَجُلٍ. وأما أهلُ الحجازِ فإنهم يقولون لواحدِ الرِّجالِ: رَجُلٌ. مسموعٌ منهم: مَشَى فلانٌ إلى بيتِ اللهِ حافيًا رَجُلًا. وقد سُمِعَ مِن بعضِ أحياءِ العربِ في واحدِهم: رَجُلانُ، كما قال بعضُ بني عُقَيْلٍ (٢):
فمَن قال: رَجْلان. للذكَرِ، قال للأنثى: رَجْلَى. وجاز في جمعِ المذكرِ والمؤنَّثِ فيه أن يُقالَ: أتى القومُ رُجالَى ورَجالى. مثلُ كُسالى وكَسَالَى.
وقد حُكِىَ عن بعضِهم أنه كان يقرأُ ذلك:(فإنْ خِفْتُمْ فَرجَالًا)(٤) مشدَّدةً. وعن بعضهم أنه كان يقرأُ:(فَرجَالًا)(٥). وكلتا (٦) القراءتَيِن غيرُ جائزةٍ القراءةُ بها عندنا؛ لخلافِها (٧) القراءةَ الموروثةَ المستفيضةَ (٨) في أمصارِ المسلمين.
(١) في ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فيعطون". (٢) البيت المجنون ليلى قيس بن الملوح، وهو في ديوانه ص ٣٠١. (٣) في ص: "ازوار". وازدار، افتعل مِن الزيارة. (٤) وبها قرأ ابن محيصن وعكرمة وأبو مجلز. البحر المحيط ٢/ ٢٤٣. (٥) رويت هذه القراءة عن عكرمة. المصدر السابق. (٦) في ص، ت ١، ت ٢: "كلا". (٧) في م: "بخلاف"، وفى ت ٢: "لخلاف". (٨) في ص، ت ١، ت ٢: "مستفيضة".