وأوْلى التأويلَيْن بالآيةِ التأويلُ الذي رُوِي عن رسولِ اللهِ ﷺ أنه قال:"الخَيْطُ الأبْيَضُ بَياضُ النَّهارِ، والخَيْطُ الأسْوَدُ سَوَادُ اللَّيْلِ". وهو المعروفُ في كلامِ العربِ، قال أبو دُؤادَ (١) الإياديُّ (٢):
وأمَّا الأخبارُ التي رُوِيَت عن رسولِ اللهِ ﷺ أنه شرِب أو تسحَّر ثم خرَج إلى الصلاةِ، فإنه غيرُ دافعٍ صحةَ ما قُلْنا في ذلك؛ لأنه غيرُ مُستنكَرٍ أن يكونَ ﷺ شرِب قبلَ الفجرِ، ثم خرَج [إلى الصلاةِ، إذْ كانت الصَّلاةُ - صلاةُ الفجرِ - هي على عهدِه كانت تُصلَّى](٥) بعد ما يطلُعُ الفجرُ ويَتبينُ طلوعُه، ويؤذَّنُ لها قبلَ طلوعِه.
وأما الخبَرُ الذي رُوي عن حذيفةَ أن النَّبيَّ ﷺ كان يتسحَّرُ وأنا أرَى مواقعَ النَّبْلِ. فإنه قد اسْتُثبِت فيه، فقيل له: أبَعْدَ الصبحِ؟ فلم يُجِبْ في ذلك بأنه كان بعدَ الصبحِ، ولكنه قال: هو الصبحُ. وذلك من قولِه يَحتمِلُ أن يكونَ معناه هو الصبحَ لقُرْبِه منه، وإن لم يكنْ هو بعَيْنِه، كما تقولُ العربُ: هذا فلانٌ شبهًا. وهي تُشيرُ إلى غيرِ الذي سمَّتْه، فتقولُ: هُو هُو. تشبيهًا منها له به. فكذلك قولُ حذيفةَ: هو الصبحُ. معناه: هو الصبحُ شبهًا به وقربًا منه.
وقال ابنُ زيدٍ في معنى "الخيطِ الأبيضِ والأسودِ" ما حدَّثني به يونسُ، قال: أخبَرنا ابنُ وهبٍ، قال: قال ابنُ زيدٍ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
(١) في ت ١، ت ٢: "داود". وينظر الشعر والشعراء ١/ ٢٣٧. (٢) شعر أبي دؤاد الإيادي ص ٣٥٢ (ضمن دراسات في الأدب العربي). (٣) في ت ١، ت ٢: "غدوة". والسدفة في لغة تميم: الظلمة، وفي لغة قيس: الضوء. تهذيب اللغة ١٢/ ٣٦٧. (٤) في ت ٢: "فنارا". (٥) سقط من: ت ١، ت ٢.