فنظرَتُ فيهما من الليلِ، فوجدتُهما سواءً. فضحِك رسولُ اللهِ ﷺ حتى رُئي نواجِذُه، ثم قال:"ألم أقل لك: مِن الفَجْرِ؟ إنما هُوَ ضَوْءُ النَّهارِ وَ (١) ظُلْمَةُ الليْلِ"(٢).
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا مالكُ بنُ إسماعيلَ، قال: ثنا داودُ و (٣) ابنُ عُلَيَّةَ، جميعًا عن مُطرِّفٍ، عن الشعبيِّ، عن عديِّ بنِ حاتمٍ، قال: قلتُ لرسولِ اللهِ ﷺ: ما الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسودِ، أهما خيطان أبيضُ وأسودُ؟ فقال:"إنّكَ لَعرِيضُ القفا أنْ أبْصَرْتَ الخيْطَيْن". ثم قال:"لا، ولَكِنَّهُ سَوَادُ اللَّيْلِ وبيَاضُ النَّهارِ"(٤).
حدَّثني أحمدُ بنُ عبدِ الرحيم البَزقيُّ، قال: ثنا ابنُ أبي مريمَ، قال: ثنا أبو غسَّانَ، قال: ثنا أبو حازمٍ، عن سهلِ بنِ سعدٍ، قال: نزَلت هذه الآيةُ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾. فلم ينزِلْ: ﴿مِنَ الْفَجْر﴾ قال: فكان رجالٌ إذا أرادُوا الصومَ ربَطَ أحدُهم في رجلَيْه الخيطَ الأسودَ والخيطَ الأبيضَ، فلا يزالُ يأكُلُ ويشربُ حتى يَتبيَّنَ له، فأنزَل اللهُ بعد ذلك: ﴿مِنَ الْفَجْر﴾ فعلِموا أنما يعني بذلك الليلَ والنهارَ (٥).
وقال متأوِّلُو قولِ اللهِ تعالى ذكرُه: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾: إنه بياضُ النهارِ وسوادُ الليلِ: صفةُ ذلك البياضِ أن يكونَ مُنتشرًا مُستفيضًا في السماءِ يملأُ بياضُه وضَوْءُه الطرقَ، فأما الضوءُ الساطعُ في السماءِ،
(١) في ت ١، ت ٢، ت ٣: "من". (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٣١٨ (١٦٨٦) من طريق مجالد به. (٣) سقط من: ت ١، ت ٢، ت ٣. (٤) أخرجه البخاري (٤٥١٠)، والنسائي (٢١٦٨)، وابن خزيمة (١٩٢٦)، من طريق مطرف به بنحوه. (٥) أخرجه البخاري (١٩١٧، ٤٥١١)، ومسلم (١٠٩١/ ٣٥) من طريق ابن أبي مريم به، وأخرجه البخاري (١٩١٧)، ومسلم (١٠٩١/ ٣٤) من طريق أبي حازم به.