فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾. وقد علِمتَ أن "البر" فعلٌ (١)، و "مَنْ" اسمٌ، فكيفَ يكونُ الفعلُ هو الإنسانُ؟
قيل: إن معنى ذلك على غيرِ ما توهَّمْتَه، وإنما معناه: ولكنَّ البرَّ [برُّ مَن](٢) آمَن باللهِ واليومِ الآخرِ. فوضَع "مَن" موضعَ الفعلِ اكتفاءً بدَلالِته ودلالَةِ صِلَتِه التي هي له صِفةٌ، مِن الفعلِ المحذوفِ، كما تفعَلُه العربُ، فتضعُ الأسماءَ مواضعَ أفعالِها التي هي بها مشهورَةٌ فتقولُ: الجودُ حاتمٌ، والشجاعةُ عنترةُ (٣). ومعناها: الجودُ جودُ حاتمٍ، والشجاعةُ شجاعةُ عنترةَ. فتستغنِي بذكرِ حاتمٍ - إذْ كان معروفًا بالجودِ - مِن إعادةِ ذكرِ الجودِ بعدَ الذي قد ذكرتَه فتضعُه موضعَ جودِه، لدلالةِ الكلامِ على ما حذَفتَه؛ استغناءً بما ذكَرتَه عما لم تذكُرْه، كما قيل: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: ٨٢] والمعنى: أهلَ القريةِ. وكما قال الشاعرُ، وهو ذو الخِرَقِ الطُّهَوِيُّ (٣):