الخلْقَ، فمن خلَقه؟ فغَضب النبيُّ ﷺ حتى انْتُقِع لونُه (١)، ثم ساوَرَهم (٢) غضبًا لربِّه، فجاءه جبريلُ ﵇ فسكَّنه، وقال: اخْفِضْ عليك جَناحَك يا محمدُ. وجاءه مِن اللَّهِ جوابُ ما سألوه عنه، قال: يقولُ اللَّهِ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فلما تلا عليهم النبيُّ ﷺ، قالوا: صِفْ لنا ربَّك كيف خَلْقُه، وكيف عَضُده، وكيف ذِراعُه؟ فغَضِب النبيُّ ﷺ أشدَّ مِن غضبِه الأوَّلِ، وساوَرَهم غضبًا، فأتاه جبريلُ فقال له مثلَ مقالتِه، وأتاه بجواب ما سألوه عنه: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (٣)[الزمر: ٦٧].
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا مِهْرانُ، عن سعيدِ بن أبي عَرُوبةً، عن قتادةَ، قال: جاء ناسٌ من اليهودِ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: انسُبْ لنا ربَّك. فنزَلت: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ حتى ختَم السورةَ (٤).
فتأويلُ الكلامِ إذا كان الأمرُ على ما وصَفْنا: قلْ يا محمدُ لهؤلاء السائليك عن نسبِ ربِّك وصِفتِه، ومَن خلَقه: الربُّ الذي سألتموني اللَّهِ الذي له عبادةُ كلِّ شيءٍ، لا تَنْبِغى العبادةُ إلا له، ولا تصلُحُ لشيءٍ سواه.
واختلَف أهلُ العربيةِ في الرافعِ ﴿أَحَدٌ﴾؛ فقال بعضُهم (٥): الرافعُ له ﴿اللَّهُ﴾، و ﴿هُوَ﴾ عمادٌ بمنزلةِ الهاءِ في قولِه: ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل: ٩].
وقال آخر منهم (٦): بل هو مرفوعٌ - وإن كان نكرةً - بالاستئنافِ، كقولِه:(هذا بَعْلِي شيخٌ)(٧). وقال: ﴿هُوَ اللَّهُ﴾. جوابٌ لكلامِ قومٍ قالوا له: ما الذي
(١) أي تغير وجهه. يقال: انتقع لونه وامتقع، إذا تغير من خوف أو ألم أو نحو ذلك. النهاية ٥/ ١٠٩. (٢) أي واثبهم وقاتلهم. ينظر النهاية ٢/ ٤٢٠. (٣) ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى ١٧/ ٢٢٢، ٢٢٣ عن المصنف، وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤١٠ إلى المصنف وابن المنذر، وتقدم في ٢٠/ ٢٥٢. (٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٤١٠ إلى المصنف وعبد الرزاق وابن المنذر. (٥) هو الكسائي كما في معاني القرآن للفراء ٣/ ٢٥٢. (٦) هو الفراء في معاني القرآن، الموضع السابق (٧) سورة هود الآية: ٧٢ والرفع قراءة ابن مسعود. ينظم المصاحف لابن أبي داود ص ٦٣، ومختصر =