وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)﴾. يقول تعالى ذكرُه: وإِنَّ الإنسانَ لِحُبِّ المالِ لشديدٌ.
واختلف أهلُ العربيةِ في وجهِ وصفِه بالشدَّةِ لِحُبِّ المالِ؛ فقال بعضُ البصريِّين (٢): معنى ذلك: وإنه من أجْلِ حبِّ الخيرِ لشديدٌ، أي لبخيلٌ، قال: يقالُ للبخيلِ: شديدٌ ومتشدِّدٌ. واستشهد لقوله ذلك ببيتِ طَرَفةَ بن العبدِ اليشكُرِيِّ (٣):
وقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ (٤): كان موضعُ ﴿لِحُبَّ﴾ أنْ يكونَ بعد "شديد"، وأنْ يضافَ "شديد" إليه، فيكونُ الكلام: وإنه لشديدُ حبِّ (٥) الخيرِ. فلما تقدَّم الحب في الكلامِ، قيل:"شديدٌ". وحُذِف من آخرِه، لمَّا جرَى ذكرُه في أوَّلِه ولرءوسِ الآياتِ. قال: ومثلُه في سورةِ "إبراهيمَ": ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: ١٨]. والعَصُوفُ لا يكون لليومِ، وإنما يكون للريح، فلما جرى ذكرُ الريحِ قبلَ اليوم طُرحت من آخرِه، كأنه قال: في يومٍ عاصفِ الريحِ. والله أعلم.
وبنحوِ الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويلِ.
(١) ينظر تفسير ابن كثير ٨/ ٤٨٨. (٢) هو أبو عبيدة في مجاز القرآن ٢/ ٣٠٧. (٣) ديوانه ص ٣٦. (٤) هو الفراء في معاني القرآن ٣/ ٢٨٥، ٢٨٦. (٥) في ص، ت،٢، ت ٣: "لحب".