كلُّ ذلك خطابٌ منه لأتباعِ رسولِ اللهِ ﷺ وأصحابِه.
كما حدثني هارونُ بنُ إدريسَ الأصمُّ الكوفيُّ، قال: ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ محمدٍ المحاربيُّ، عن عبدِ الملكِ، عن عطاءٍ في قولِه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ﴾. قال: هم أصحابُ محمدٍ ﷺ(١).
وإنما قال جلَّ ثناؤُه: ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾، ولم يقُلْ: بأشياءَ؛ لاختلافِ أنواعِ ما أعلمَ عبادَه أنه مُمتَحنُهم به، فلما كانَ ذلك مختلفًا - وكانتْ "مِن" تدلُّ على أن مع كلِّ نوعٍ منها مُضْمَرًا "شيْءٌ"، وأن معنى ذلك: ولَنَبْلونَّكم بشيْءٍ مِن الخوفِ، وبشيْءٍ من الجوعِ، وبشيْءٍ من نقصِ الأموالِ - اكتفَى بدَلالةِ ذِكرِ "الشيْءِ" في أولِه من إعادتِه مع كلِّ نوعٍ منها. ففعَل جلَّ ثناؤُه كلَّ ذلك بهِم، فامتحَنهم بضُروبِ المِحَنِ.
كما حدثني المُثَنَّى، قال: ثنا إسحاقُ، قال: ثنا ابنُ أبي جفرٍ، عن أبيه، عن الربيعِ في قولِه: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾. قال: قد كان ذلك، وسيكونُ ما هو أشدُّ مِن ذلك، قال اللهُ عند ذلك: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)﴾ (٢).
ثم قال جلَّ ثناؤُه لنبيِّه محمدٍ: وبشِّرْ، يا محمدُ، الصابرين على امتحانِي بما أمْتَحِنُهم (٣) به، والحافظين أنفسَهم عن التقدّمِ على نهْيي عما أنهاهم عنه، والآخذِين
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٢٦٣ (١٤١٤، ١٤١٥)، من طريق عبد الملك به. (٢) أخرجه البيهقي في الشعب (٩٦٨٦) من طريق أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية. (٣) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "امتحنتهم".