يَذكُرُ عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابنِ عباسٍ، وعن مُرَّةَ الهمْدانيِّ، عن ابنِ مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحابِ النبيِّ قالوا (١): لما صُرِف نبيُّ اللهِ نحوَ الكعبةِ بعدَ صلاتِه إلى بيتِ المقدسِ، قال المشركون من أهلِ مكةَ: تَحيّر على محمدٍ دينُه، فتوجَّهَ بقبلتِه إليكم، وعلِم أنكم كنتم أهدَى منه سبيلًا، ويوشِكُ أن يدخُلَ في دينِكم. فأنزَلَ اللهُ فيهم: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ (٢).
حدَّثنا القاسمُ، قال: حدَّثنا الحسينُ، قال: حدَّثني حجاجٌ، عن ابنِ جُريجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: قولَه: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ قال: قالت قريشٌ لمّا رجَع إلى الكعبةِ وأُمر بها: ما كان يستغْنى عنَّا، قد استقْبلَ قبلَتَنا. فهي حُجَّتُهم، وهمِ الذين ظلَموا. قال ابنُ جريجٍ: وأخبَرني عبدُ اللهِ بنُ (٣) كثيرٍ أنه سمِع مجاهدًا يقولُ مثلَ قولِ عطاءٍ، فقال مجاهدٌ: حُجّتُهم: قولُهم: رجَعتَ إلى قِبلَتِنا (٤).
فقد أبان تأْويلُ من ذكَرنا تأْويلَه - من أهلِ التأويلِ - قولَه: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ عن صحةِ ما قلنا في تأويلِه، وأنه استِثناءٌ على [صحةٍ، بمعنى](٥) الاستِثناءِ المعروفِ، الذي يَثْبُتُ فيه لما بعدَ حرفِ الاستثناءِ ما كان منفيًّا عما قبلَه، كما (٦) قولُ القائلِ: ما سار من الناسِ أحدٌ إلّا أخوك. إثباتٌ للأخِ من السَّيرِ ما هو
(١) في الأصل، ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "قال". (٢) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ١٤٨ إلى المصنف، وينظر ما تقدم في ص ٦٤٠، ٦٤١. (٣) بعده في الأصل: "أبي". وينظر تهذيب الكمال ١٥/ ٤٦٨. (٤) ينظر ما تقدم في ص ٦٨٤، ٦٨٥. (٥) في م: "معنى". (٦) بعده في م: "أن".