لنبوَّتِه، ﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾. يعنى: من المرسَلِين العامِلين بما [أمَرهم به ربُّهم، المنتَهين عما نهاهم](١) عنه.
وقولُه: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾. يقولُ جلَّ ثناؤُه: ويكادُ الذين كفَروا يا محمدُ يَنْفُذونك بأبصارِهم؛ من شدةِ عداوتِهم لك، ويُزيلونَك، فيرمُوا بك عندَ نظرِهم إليك، غيظًا عليك.
وقد قيل: إنه عنَى بذلك: وإن يَكادُ الذين كفَروا مما عانُوك (٢) بأبصارِهم، لَيَرْمُون بك يا محمدُ ويَصْرَعونك. كما تقولُ العربُ: كاد فلانٌ يَصْرَعُنى بشدةِ نظرِه إلىَّ. قالوا: وإنما كانت قريشٌ عانُوا رسولَ اللهِ ﷺ ليُصِيبُوه بالعينِ، فنظَروا إليه ليَعِينوه. وقالوا: ما رأَينا [ولا](٣) مثلَه. أو: إنه لمجنونٌ. فقال اللهُ لنبيِّه عندَ ذلك: وإن يَكادُ الذين كفَروا ليَرْمُونك بأبصارِهم لما سمِعوا الذكرَ ويقولون: إنه لمجنونٌ.
وبنحوِ الذى قلنا فى معنى قولِه: ﴿لَيُزْلِقُونَكَ﴾ قال أهلُ التأويلِ.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا أبو كُرَيبٍ، قال: ثنا ابنُ عيينةَ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ فى قولِه: ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾. يقولُ: يَنْفُذُونك بأبصارِهم، من شدةِ النظرِ. يقولُ ابنُ عباسٍ: يُقالُ للسهمِ: زهَق السهمُ أو زلَق (٤).
حدَّثنى علىٌّ، قال: ثنا أبو صالحٍ، قال: ثنى معاويةُ، عن علىٍّ، عن ابنِ عباسٍ
(١) فى ص، ت ١، ت ٢، ت ٣: "أمره به ربه المنتهين عما نهاه". (٢) عان الرجلَ يعينه عينًا: أصابه بالعين. ينظر اللسان (ع ى ن). (٣) فى م: "رجلا". (٤) عزاه السيوطى فى الدر المنثور ٦/ ٢٥٨ إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه.