ذلك من كفَر، قال جل ثناؤه: ما فعَلتُ إلا ليُعلَمَ (١) عندَكم -أيها (٢) المنكِرون علْمِى بما هو كائنٌ من الأشياءِ قبل كونِه- أنى عالمٌ بما هو كائِنٌ مما لم يكنْ بَعدُ.
فكأنّ معْنى قائِلِى (٣) هذا القولِ في تأويلِ قولِه: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾: إلا ليتبيَّن (٤) لكم أنّا نعلمُ من يتَّبعُ الرسولَ ممّن ينقلبُ على عَقِبَيْه. وهذا وإنْ كانَ وجهًا لهُ مَخْرجٌ، فبعيدٌ من المفهومِ.
وقال آخرون: إنّما قيل: ﴿لِنَعْلَمَ﴾ -وهو بذلك عالمٌ قبلَ كونِه، وفي [حالِ كونِه](٥) - على وجهِ الترفُّقِ (٦) بعبادِه واستمالتِهم إلى طاعتِه، كما قال جلَّ ثناؤه: ﴿قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤] وقد عَلِم أنه على هدًى وأنهم على ضلالٍ مبينٍ، ولكنَّه رفَق بهم في الخطابِ، فلم يقُلْ: إنا على هدًى وأنتم على ضلالٍ. فكذلك قولُه: ﴿إِلَّا لِنَعْلَم﴾ معناه عندَهم: إلا لتعلَموا أنتم إذْ كنتم جُهّالًا به قبلَ أن يكونَ. فأضاف العلمَ إلى نفسِه، رفقًا بخطابِهم.
وقد بينَّا القولَ الذي هو أولَى (٧) ذلك بالحقِّ.
فأما قولُه: ﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾. فإنه يعنى: الذي يتَّبعُ محمدًا ﷺ رسولَ اللهِ، فيما يأمرُه اللهُ به، فيتوَجَّهُ (٨) نحوَ الوجهِ الذي يتوجَّهُ نحوَه محمدٌ ﷺ.
(١) في م: "لنعلم ما". (٢) بعده في م: "المشركون". (٣) في م: "قائل". (٤) في م: "لنبين". (٥) في م: "كل حال". (٦) في م: "الترفيق". (٧) بعده في م: "في". (٨) في م: "فيوجه".