أبيه، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ إلى ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾. قال: هو الرجلُ المؤمنُ إذا نزَل به الموتُ، وله مالٌ لم يُزَكِّه، ولم يَحُجَّ منه، ولم يُعْطِ حقَّ اللَّهِ فيه، فيَسْأَلُ الرَّجْعةَ عندَ الموتِ ليَتَصَدَّقَ مِن مالِه ويُزَكِّيَ، قال اللَّهُ: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾ (١).
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا مِهْرانُ، عن سفيانَ: ﴿فَأَصَدَّقَ وَأَكُنْ (٢) مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ قال: الزكاةُ والحجُّ.
واختَلَفَت القرأةُ في قراءةِ قولِه: ﴿وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾؛ فقرَأ ذلك عامةُ قرأةِ الأمصارِ غيرَ ابنِ مُحَيْصِنٍ وأبي عمرٍو: ﴿وَأَكُنْ﴾ جزمًا عطفًا بها على تأويلِ قولِه: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾. إذ (٣) لم تَكُنْ فيه الفاءُ، وذلك أن قولَه: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ لو لم يَكُنْ فيه الفاءُ كان جزمًا. وقرَأ ذلك ابنُ مُحَيْصِنٍ وأبو عمرٍو:(وأَكُونَ) بإثباتِ الواوِ، ونصبِ:(وأكونَ) عطفًا به على قولِه: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾. فنصَب قولَه:(وأكُونَ) إذ كان قولُه: ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ نصبًا.
والصوابُ من القولِ في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.
وقولُه: ﴿وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا﴾. يقولُ: لن يُؤَجلَ اللَّهُ في أجلِ أحدٍ، فيَمُدَّ له فيه إذا حضَر أجلُه، ولكنه يَخْتَرِمُه، ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. يقولُ: واللَّهُ ذو خبرةٍ وعلمٍ بأعمالِ عبدِه، هو بجميعِها محيطٌ، لا يَخْفَى عليه شيءٌ، وهو مُجازِيهم بها؛ المحسنَ بإحسانِه، والمسيءَ بإساءتِه.
آخرُ تفسيرِ سورةِ "المنافقين"
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٢٢٦ إلى المصنف. (٢) في ص، ت ٢، ت ٣: "أكون". (٣) في م: "لو".