الَّذِينَ آمَنُوا﴾. فوَصَفهم (١) بالإيمانِ؟ فإن الجوابَ في ذلك نظيرُ جوابِنا في قولِه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ﴾ [النساء: ١٣٦]. وقد مضَى البيانُ عن ذلك في موضِعِه بما أغنَى عن إعادتِه (٢).
وقولُه: ﴿وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وتجاهدون في دينِ اللَّهِ وطريقِه الذي شَرَعه لكم، بأموالِكم وأنفسِكم، ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. يقولُ: إيمانُكم باللَّهِ ورسولِه وجهادُكم في سبيلِ اللَّهِ بأموالِكم وأنفسِكم، خيرٌ لكم من تضييعِ ذلك والتفريطِ، ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ مضارَّ الأشياءِ ومنافعَها.
وذُكِر أن ذلك في قراءةِ عبدِ اللَّهِ:(آمِنُوا بِاللهِ) على وجْهِ الأمرِ (٣).
وبُيِّنتِ التجارةُ من قولِه: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ﴾. وفُسِّرت بقولِه: ﴿تُؤْمِنُونَ﴾. ولم يقلْ: أن تُؤْمِنوا. لأن العربَ إذا فَسَّرت الاسمَ بفعلٍ، تُثبِتُ في تفسيرِه "أنْ" أحيانًا، وتَطْرَحُها أحيانًا؛ فتقولُ للرجلِ: هل لك في خيرٍ، تَقُومُ بنا إلى فلانٍ فنعودَه؟ هل لك في خيرٍ، أن تقومَ إلى فلانٍ فنعودَه؟ بـ "أن" وبطرحِها. ومما جاء في الوجهين على الوجهين جميعًا قولُه: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا﴾، و (إنَّا)[عبس: ٢٤، ٢٥]. فالفتحُ في "أنّا" لغةُ مَن أدخَل في "تَقُومَ": "أن"، مِن قولِهم: هل لك في خيرٍ أن تقومَ؟ والكسرُ فيها لغةُ من يُلْقِي "أن" مِن "تَقُومَ". ومنه قولُه: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾، و (إنّا دَمَّرْناهم)[النمل: ٥١]. على ما بيَّنا (٤).
حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ قولَه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
(١) في ص، م: "بوصفهم". (٢) ينظر ما تقدم في ٧/ ٥٩٤، ٥٩٥. (٣) معاني القرآن للفراء ٣/ ١٥٤، والبحر المحيط ٨/ ٢٦٣. (٤) ينظر ما تقدم في ١٨/ ٩٤، ٩٥.