وعَدوا اليهودَ من النَّضيرِ النُّصرةَ إنْ قُوتِلوا، أو الخُرُوجَ معهم إِنْ أُخْرِجُوا، ومَثَلُ النَّضيرِ في غرورِهم إيَّاهم بإخلافِهم الوعْدَ، وإسلامِهم إيَّاهم عندَ شدَّةِ حاجتِهم إليهم، وإلى نُصْرتِهم إيَّاهم - كمثَلِ الشيطانِ الذي غَرَّ إنسانًا، ووعَده على اتِّباعِه وكفرِه باللَّهِ، النُّصْرةَ عندَ حاجتِه (١) إليه، فكفَر باللَّهِ واتَّبَعه وأطاعه، فلما احتاج إلى نصْرتِه أسلَمه وتبرَّأ منه، وقال له: إني أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالمين في نُصْرَتِك.
وقد اختلَف أهلُ التأويلِ في الإنسانِ الذي قال اللَّهُ جَلَّ ثناؤُه: ﴿إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ﴾. أهو إنسانٌ بعينِه، أَمْ أُرِيد به المَثَلُ لمَن فعَل الشيطانُ ذلك به؟ فقال بعضُهم: عُنِي بذلك إنسانٌ بعينِه.
ذكرُ مَن قال ذلك
حدَّثنا خلَّادُ بنُ أسلمَ، قال: ثنا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قال: أخبَرنا شعبةُ، عن أبي إسحاقَ، قال: سمِعتُ عبدَ اللَّهِ بنَ نَهِيكٍ، قال: سمِعتُ عليًّا ﵁ يقولُ: إنَّ راهبًا تعبَّد سِتِّين سنةً، وإنَّ الشيطانَ أراده فأَعْياه، فعَمَد إلى امرأةٍ فأَجَنَّها، ولها إخْوةٌ، وقال لإخْوتِها: عليكم بهذا القِسِّ فيُداوِيَها. فجاءوا بها، قال: فداواها، وكانت عندَه، فبينما هو يومًا عندَها إذ أَعْجَبَتْه، فأتاها فحَمَلت، فعَمَد إليها فقتَلها، فجاء إخوتُها، فقال الشيطانُ للراهبِ: أنا صاحبُك، إنك أَعْيَيْتَني، أنا صنَعْتُ بك هذا فَأَطِعْني أُنْجِك مما صنَعْتُ بك، اسْجُدْ لي سجدةً. فسجَد له، فلمَّا سجَد له، قال: إني بَرِيءٌ منك، إني أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالمين. فذلك قولُه: ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢).
(١) في م: "الحاجة". (٢) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ٥/ ٢١٣ من طريق النضر بن شميل به، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره =