والصوابُ مِن القولِ في ذلك عندي (١) أنهما قراءتان معروفتان صَحيحَتا المعنى، وذلك أن المشرِكين قد جحَدوا أن يكونَ رسولُ اللَّهِ ﷺ رأَى ما أَراه اللَّهُ ليلةَ أُسْرِي به وجادَلوه في ذلك، فبأيَّتِهما قرَأ القارئُ فمصيبٌ.
وتأويلُ الكلامِ: أفتُجادِلون أيها المُشرِكون محمدًا على ما يرَى مما أَراه اللَّهُ مِن آياتِه.
وقولُه: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾. يقولُ: ولقد رآه مرَّةً أُخرى.
واختَلَف أهلُ التأويلِ في الذي رآه محمدٌ نَزْلةً أُخرَى نحوَ اختلافِهم في قولِه: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾.
ذكرُ بعضِ ما رُوِي في ذلك مِن الاختلافِ
وذِكرُ مَن قال فيه: رأَى جبريلَ ﵇
حدَّثنا محمدُ بنُ المثنى، قال: ثنا عبدُ الوهابِ الثَّقفيُّ، قال: ثنا داودُ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، عن عائشةَ، أن عائشةَ قالت: يا أبا عائشةَ، مَن زعَم أن محمدًا رأى ربَّه فقد أعظَم الفِرْيةَ على اللَّهِ. قال: وكُنتُ متَّكِئًا فجلَستُ، فقلتُ: يا أمَّ المؤمنين، أنْظِريني ولا تُعجلِيني، أرأيتِ قولَ اللَّهِ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾. ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ﴾ [التكوير: ٢٣]؟ قالت: إنما هو جبريلُ؛ رآه مرَّةً على خَلْقِه وصورتِه التي خُلِق عليها، ورآه مرَّةً أخرى حين هبَط مِن السماءِ إلى الأرضِ سادًّا عِظَمُ خَلْقِه ما بينَ السماءِ و (٢) الأرضِ. قالت: أنا أَوَّلُ مَن سأَل
(١) سقط من: ص، م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٢) في الأصل: "إلى".