فضرَبَتْه بمسمارٍ حتى إذا خرج عطَفه (١)، وقال: لا أخرُجُ حتى يتوفَّاني اللَّهُ أَو يَرْضَى عنِّي رسولُه. فأتَى عاصمٌ رسولَ اللَّهِ ﷺ فأخبَره خبرَه، فقال:"اذْهَبْ فَادْعُه لي". فجاء عاصمٌ إلى المكانِ فلم يجِدْه، فجاء إلى أهلِه، فوجَده في بيتِ الفَرَسِ، فقال له: إن رسولَ اللَّهِ ﷺ يدْعُوك. فقال: اكْسِرِ الضبَّةَ. قال: فخرَجا فأتَيا رسولَ اللَّهِ ﷺ، فقال له رسولُ اللَّهِ ﷺ:"ما يُبْكِيكَ يا ثابتُ؟ ". فقال: أنا صَيِّتٌ، وأتخوَّفُ أن تكونَ هذه الآيةُ نزلت فيَّ؛ ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾. فقال له رسولُ اللهِ ﷺ:"أما تَرْضَى أَنْ تَعِيشَ حميدًا، وتُقْتَلَ شَهِيدًا، وتَدْخُلَ الجَنَّةَ؟ ". فقال: رضِيتُ ببُشْرَى اللَّهِ ورسولِه، لا أرفَعُ صوتي على رسولِ اللَّهِ أبدًا. فأنزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ الآية (٢).
حدَّثنا ابنُ حميدٍ، قال: ثنا يعقوبُ، عن حفصٍ، عن شِمْرِ بن عطيةَ، قال: جاء ثابتُ بنُ قيسِ بن الشَّمَّاسِ إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ وهو محزونٌ، فقال:"يا ثابتُ، ما الذي أرَى بك؟ ". قال: آيةٌ قرأتُها الليلةَ، فأخْشَى أن يكونَ قد حَبِط عمَلي؛ ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ - وكان في أُذنِه صَمَمٌ - فقال: يا نبيَّ اللَّهِ، إني أخْشَى أن أكونَ قد رفَعتُ صوتي وجَهَرتُ لك بالقولِ، وأن أكونَ قد حَبِط عمَلي وأنا لا أشْعُرُ. فقال النبيُّ ﷺ:"امْشِ على الأرضِ بِسْطًا (٣) فإنَّكَ مِن أهلِ الجَنَّةِ"(٤).
(١) عطف الشيء: حناه وأماله. ينظر اللسان (ع ط ف). (٢) أخرجه ابن بشكوال في غوامض الأسماء المبهمة ٢/ ٧٠٠ من طريق المصنف، وذكره ابن كثير في تفسيره ٧/ ٣٤٧، ٣٤٨ عن المصنف، وأخرجه الطبراني (١٣١٦) من طريق أبي كريب عن زيد بن الحباب عن أبي ثابت بن ثابت بن قيس بن شماس قال: ثنى أبي ثابت بن قيس عن أبيه، وأخرجه الحاكم ٣/ ٢٣٤، والبيهقي في الدلائل ٦/ ٣٥٥ من طريق إسماعيل به نحوه. (٣) في م: "نشيطا"، وفي ت ٢، ت ٣: "نشطا"، وبسطا: منبسطا منطلقا. النهاية ١/ ١٢٨. (٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٦/ ٨٥ إلى المصنف.