فتأويلُ قائلِ هذا القولِ: وإذ ابتلَى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمهُنَّ، قال: إني جاعِلُك للناسِ إمامًا. قال: اتَّخِذوا من مَقامِ إبراهيمَ مصلًّى.
والخبرُ الذى ذكَرْناه عن عمرَ بنِ الخطابِ عن رسولِ اللهِ ﷺ قبلُ، يَدُلُّ على خلافِ الذى قاله هؤلاء، وأنه أمرٌ من اللهِ تعالى ذكرُه بذلك رسولَ اللهِ ﷺ، والمؤمنين به، وجميعَ الخلقِ المكلَّفِين.
ثم اختُلِف في الذى عُطِف عليه بقولِه:(واتَّخَذوا). إذا قُرِئ كذلك على وجهِ الخبرِ، فقال بعضُ نحويِّى البَصْرةِ: تأويلُه إذا قُرِئ كذلك: وإذ جعَلْنا البيتَ مَثابةً للناسِ وأمْنًا، [وإذِ اتخَذُوا](١) من مقامِ إبراهيمَ مُصَلًّى.
وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: بل ذلك معطوفٌ على قولِه: ﴿جَعَلْنَا﴾. فكأن معنى الكلامِ على قولِه: وإذ جعَلْنا البيتَ مثابةً للناسِ، واتَّخَذُوه مُصَلَّى.
والصوابُ من القولِ والقراءةِ في ذلك عندنا: ﴿وَاتَّخِذُوا﴾. بكسرِ الخاءِ (٢)، على تأويلِ الأمرِ باتخاذِ مَقامِ إبراهيمَ مُصَلًّى، للخبرِ الثابتِ عن رسولِ اللهِ ﷺ الذى ذكَرْناه آنفًا، وأن عمرَو بنَ عليٍّ حدثنا، قال: ثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: ثنا جعفرُ بنُ محمدٍ، قال: حدثني أبي، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، أن رسولَ اللهِ ﷺ قرَأ: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (٣).
(١) في م: "وإذ واتخذوا". (٢) القراءتان صواب لأنهما متواترتان. (٣) أخرجه أحمد ٢٢/ ٣٢٥ (١٤٤٤٠)، وأبو داود (١٩٠٧، ١٩٠٩)، وابن خزيمة (٢٧٥٤) من طريق يحيى بن سعيد به مطولًا، وهو جزء من حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي ﷺ في صحيح مسلم (١٢١٨)، وينظر مسند الطيالسي (١٧٧٣).