والبيتُ الذى جعَله اللهُ مَثابةً للناسِ هو البيتُ الحرامُ.
وأما المثابةُ، فإن أهلَ العربيةِ مختلِفون فى معناها، والسببِ الذى من أجلِه أُنِّثَتْ؛ فقال بعضُ نحويِّى البصرةِ: أُلْحِقَت الهاءُ فى المثابةِ لمّا كَثُر مَن يَثوبُ إليه، كما يقالُ: سَيّارةٌ. لمن يُكْثِرُ ذلك، ونَسّابةٌ.
وقال بعضُ نحويِّى الكوفةِ: بل المَثابُ والمثابةُ بمعنًى واحدٍ، نطيرُ المَقامِ والمَقامَةِ. والمَقامُ ذُكِّر -على قولِه- لأنه أُريدَ به الموضعُ الذى يُقامُ فيه، وأُنِّثَتِ المَقامَةُ لأنه أريد بها البُقْعَةُ. وأَنكرَ هؤلاء أن تكونَ المثابةُ للسيّارةِ (١) والنّسّابةِ نَطيرَةً (٢). وقالوا: إنما أُدخلتِ الهاءُ فى السيّارةِ والنسّابةِ تشبيهًا لها بالداهيةِ (٣).
والمَثابةُ مَفْعَلَةٌ من: ثاب القومُ إلى الموضعِ، إذا رجَعوا إليه، فهم يَثُوبون إليه مَثابًا ومَثابةً وثوابًا.
فمعنى قولِه: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾: وإذ جعَلْنا البيتَ مَرجِعًا للناسِ ومَعاذًا، يَأْتُونه كلَّ عامٍ، ويَرجِعون إليه فلا يَقْضُون منه وَطَرًا. ومن المثابِ قولُ وَرَقَةَ ابنِ نوفلٍ فما صفةِ الحَرَمِ (٤):
مَثابٌ لأفْنَاءِ القبائلِ كلِّها … تَخُبُّ إليه اليَعْمَلاتُ الطَّلائِحُ
ومنه قيل: ثاب إليه عقلُه، إذا رجَع إليه بعد عُزوبِه عنه. وبنحوِ ما قلْنا فى تأويلِ ذلك قال أهلُ التأويلِ.
(١) فى م: "كالسيارة". (٢) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٣) فى م: "بالداعية". (٤) ينظر تخريج البيت فى البداية والنهاية ٣/ ٤٧٣.