وقد اخْتَلَف أهلُ العربيةِ في وجهِ نصبِ الرحمةِ والعلمِ؛ فقال بعضُ نحويِّي البصرةِ: انتصابُ ذلك كانتصابِ: لك مثلُه عبدًا. لأنك قد جَعَلْتَ: ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، وهو مفعولٌ له، والفاعلُ التاءُ، وجاء بالرحمةِ والعلمِ تفسيرًا، وقد شغَلْتَ عنهما الفعلَ، كما شغَلْتَ المثلَ بالهاءِ، فلذلك نصَبْتَه، تشبيهًا بالمفعولِ بعدَ الفاعلِ.
وقال غيرُه: هو مِن المنقولِ، وهو مُفَسَّرٌ: وسِعَت رحمتُه وعلمُه، ووسِع هو كلَّ شيءٍ رحمةً، كما تقولُ: طابَت به نفسى، وطبتُ به نفسًا. وقال: أمّا: لك مثُله عبدًا. فإن المقاديرَ لا تكونُ إلا معلومةً، مثلَ: عندى رِطْلٌ زيتًا. والمثلُ غيرُ معلومٍ، ولكنَّ لفظه لفظُ المعرفةِ، والعبدُ نكرةٌ، فلذلك نصَب العبدَ، وله أن يَرْفَعَ، واسْتَشْهَد لقيلِه ذلك بقولِ الشاعرِ:
ما في مَعَدٍّ والقبائلِ كلِّها … قحطانُ مثلُك واحدٌ معدودُ
وقال: ردَّ الواحدَ على "مثل"؛ لأنه نكرةٌ. قال: ولو قلتَ: ما مثلُك رجلٌ. و: مثلُك رجلٌ. و: مثلُك رجلًا. جاز؛ لأن "مثل" يكونُ نكرةً، وإن كان لفظُها (١) معرفةً.
وقولُه: ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾. يقولُ: فَاصْفَحْ عن جُرْمِ مَن تاب مِن الشركِ بك مِن عبادِك، فرجَع إلى توحيدِك واتباعِ (٢) أمرِك ونهيِك.
كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ