لِلطَّاغِينَ﴾. وهم الذين تمرَّدوا على ربِّهم فعصَوا أمرَه، مع إحسانه إليهم ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾. يقولُ: لشرَّ مرجِعٍ ومصيرٍ يصيرون إليه في الآخرةِ بعدَ خروجِهم من الدنيا.
كما حدَّثنا محمدُ بنُ الحسينِ، قال: ثنا أحمدُ بنُ المُفَضَّلِ، قال: ثنا أسباطُ، عن السديِّ: ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ﴾. قال: لشرَّ مُنْقَلبٍ.
ثم بَيَّن تعالى ذكرُه ما ذلك الذي إليه يَنْقَلبون ويَصيرون في الآخرةِ، فقال: ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا﴾. فترجَم بـ [﴿جَهَنَّمَ﴾ عن قولِه](١): ﴿لَشَرَّ مَآبٍ﴾. ومعنى الكلامِ: وإن للكافرين لشرَّ مصيرٍ يَصِيرون إليه يومَ القيامةِ؛ لأن مصيرَهم إلى جهنمَ، وإليها منقلبُهم بعدَ وفاتِهم: ﴿فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: فبئس الفِراشُ الذي افترَشوه لأنفسِهم جهنَّمُ.
وقولُه: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: هذا حميمٌ، وهو الذي قد أُغْلِىَ حتى انتهى حرُّه، وغساقٌ فليذوقوه. فالحميمُ مرفوعٌ بـ ﴿هَذَا﴾. وقولُه: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾. معناه التأخيرُ؛ لأن معنى الكلام ما ذكَرتُ، وهو: هذا حميمٌ وغسَّاقٌ فليذُوقوه. وقد يَتَّجِهُ ذلك إلى أن يَكُونَ ﴿هَذَا﴾ مُكْتَفِيًا بقولِه ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾. ثم يُبْتَدَأُ فيُقالُ: حميمٌ وغسَّاقٌ، بمعنى: منه حميمٌ ومنه غسَّاقٌ، كما قال الشاعرُ (٢):
حتى إذا ما أضاءَ الصُّبحُ في غَلَسٍ … وغُودِرَ البقلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصودُ
وإذا وُجِّه إلى هذا المعنى، جاز في ﴿هَذَا﴾ النصبُ والرفعُ. النصبُ على أن
(١) في م: "عن جهنم بقوله". (٢) البيت في معاني القرآن ٢/ ٤١٠.