وكان بعضُ أهلِ العربيةِ يقولُ: ﴿بَلِ﴾ دليلٌ على تكذيبهم، فاكتُفِى بـ ﴿بَلِ﴾ من جواب القسمِ، وكأنه قيل: ﴿ص﴾ ما الأمرُ كما قلتُم، بل أنتم في عزَّةٍ وشقاقٍ.
وكان بعضُ نحويِّي البصرةِ (٢) يقولُ: زعَموا أن موضعَ القسمِ في قولِه: ﴿إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ [ص: ١٤]. وقال بعضُ نحويِّي الكوفةِ: قد زعَم قومٌ أن جوابَ ﴿وَالْقُرْءانِ﴾ قوله: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٤]. قال: وذلك كلامٌ قد تأخَّر عن قولِه: ﴿وَالْقُرْءَان﴾ تأخُّرًا شديدًا، وجرَت بينهما قصصٌ مختلفةٌ، فلا نجدُ ذلك مستقيمًا في العربيةِ، والله أعلمُ.
قال: ويقالُ: إن قوله: ﴿وَالْقُرْءانِ﴾ يمينٌ، اعترض كلامٌ دون موقعِ جوابِها، فصار جوابُها جوابًا للمعترِضِ ولليمين، فكأنه أراد: والقرآن ذى الذكرِ، لَكُمْ أهلكنا. فلما اعترض قولُه: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ﴾ صارت ﴿كَمْ﴾ جوابًا للعزَّةِ واليمين. قال: ومثله قوله: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: ١]. اعترَض دونَ الجوابِ قولُه: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهُمَها﴾. فصارَت ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ تابعةً لقولِه: ﴿فَأَلْهْمَهَا﴾. وكفى من جوابِ القسمِ، فكأنه قال: والشمسِ وضحاها لقد أفلِح (٣).
والصوابُ من القولِ في ذلك عندى القولُ الذي قاله قتادةُ، وأن قولَه: ﴿بَلِ﴾
(١) عزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٢٩٦ إلى المصنف وعبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف، وذكره ابن كثير في تفسيره ٧/ ٤٣. (٢) في م، ص، ت ١، ت: "الكوفة". (٣) ينظر معانى القرآن للفراء ٢/ ٣٩٧.