فإن قال قائلٌ: وكيف جمعَ اليهودَ والنصارَى في هذا الخبرِ، مع اختلافِ مقالةِ الفريقَيْن، واليهودُ تَدْفَعُ النصارَى عن أن يكونَ لها في ثوابِ اللهِ نصيبٌ، والنصارَى تَدْفَعُ اليهودَ عن مثلِ ذلك؟
قيل: إن معنى ذلك بخلافِ الذي ذهبْتَ إليه، وإنما عَنَى به: وقالت اليهودُ: لن يَدْخُلَ الجنةَ إلا من كان هودًا. وقالت النصارَى: لن يَدخُلَ الجنةَ إلا النصارَى. ولكنَّ معنى الكلامِ لما كان مفهومًا عند المخاطَبِين به معناه، جُمِع الفريقان في الخبرِ عنهما، فقيل: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ﴾.
[كما حدثنى موسى، قال: حدثنا عمرٌو، قال: حدثنا أسباطُ، عن السُّدِّىِّ: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ](١) إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ الآية. قالت اليهودُ: لن يدخُلَ الجنةَ إلا مَن كان يهوديًّا. وقالت النصارَى: لن يدخُلَ الجنةَ إلا مَن كان نصرانيًّا (٢).
وأما قولُه: ﴿مَنْ كَانَ هُودًا﴾. فإن في الهودِ قولين: أحدُهما، أن يكونَ جمعَ هائدٍ، كما عُوطٌ جمعُ عائطٍ (٣)، وعُوذٌ جمعُ عائذٍ (٤)، وحُولٌ جمعُ حائلٍ (٥)، فيكونَ جمعًا للمذكرِ والمؤنثِ بلفظٍ واحدٍ، والهائدُ: التائبُ الراجعُ إلى الحقِّ.
(١) سقط من: م، ت ١، ت ٢، ت ٣. (٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٤٩٢ عقب الأثر (١٠٩٤) عن أبي زرعة، عن عمرو بن حماد به. (٣) العُوط: الناقة إذا لم تحمل سنين من غير عُقْر. التاج (ع و ط). (٤) العُوذ: الحديثات النِّتاج من الظباء والإبل والخيل ومن كل أنثى. التاج (ع و ذ). (٥) الحُول: كل حامل ينقطع عنها الحمل سنة أو سنوات حتى تحمل. التاج (ح و ل).