وقولُه: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾. يقولُ تعالى ذكرُه: وإِنَّ كلَّ هذه القرونِ التي أَهْلَكناها والذين لم يُهْلِكُهم وغيرَهم، عندَنا يومَ القيامةِ جميعُهم ﴿مُحْضَرُونَ﴾.
كما حدَّثنا بشرٌ، قال: ثنا يزيدُ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾. أي: هم يومَ القيامةِ (١).
واختَلَفت القَرَأَةُ في قراءةِ ذلك؛ فقرَأته عامةُ قَرَأةِ المدينةِ والبصرةِ وبعضُ الكُوفيِّين:(وَإِنْ كُلٌّ لَمَا) بالتخفيفِ، توجيهًا منهم إلى أن ذلك "ما" أُدخِلت عليها اللامُ التي تَدْخُلُ جوابًا لـ "إن"، وأنَّ معنى الكلام: وإِنْ كلٌّ لجميعٌ (٢) لدينا مُحْضَرون. وقرَأ ذلك عامةُ قَرَأَةِ أهلِ الكوفةِ: ﴿لما﴾ لما بتشديدِ الميمِ (٣). ولتشديدِهم ذلك عندَنا وجهان؛ أحدُهما، أن يكونَ الكلامُ عندَهم كان مرادًا به: وإن كلٌّ لمِمَّا جميعٌ. ثم حُذِفت إحدى الميماتِ لَمّا كَثُرْن، كما قال الشاعرُ (٤):
والآخرُ، أن يَكُونوا أرادوا أن تكونَ "لَمَّا" بمعنى إلّا مع "إنْ" خاصةً، فتكونَ نَظِيرةَ "إنما" إذا وُضِعتْ موضعَ "إلّا". وقد كان بعضُ نَحْويِّى الكوفةِ يقولُ: كأنها "لَمْ" ضُمَّتْ إليها "ما"، فصارتا جميعًا استثناءً، وخرَجتا من حدِّ الجَحْدِ. وكان
(١) تتمة الأثر المتقدم تخريجه في الصفحة السابقة. (٢) في الأصل: "لما جميع". (٣) قرأ بالتشديد عاصم وابن عامر وحمزة، والباقون بالتخفيف. ينظر التيسير ص ١٠٣. (٤) نسبه المبرد في الكامل ٣/ ٢٩٧ لقَطَرِيِّ بن الفُجاءة، وذكره الفراء في معاني القرآن ٢/ ٣٧٧ غير منسوب. (٥) قال المبرد ٣/ ٢٩٩: وهو يريد: على الماء. فإن العرب إذا التقت في مثل هذا الموضع لامان، استجازوا حذف أحدهما استثقالًا للتضعيف. اهـ.