رسولُ اللهِ ﷺ انصرف (١) عن الخندقِ راجعًا إلى المدينةِ، والمسلمون، ووضَعوا السلاحَ.
فلما كانت الظهرُ أتى جبريلُ ﵇ رسولُ اللهِ ﷺ كما حدَّثنا ابن حميدٍ، قال: ثنا سلمةُ، قال: ثنى محمدُ بنُ إسحاقَ، عن ابن شهابٍ الزهريِّ - مُعْتَجِرًا بعمامةٍ مِن إستبرقٍ، على بغلةٍ عليها رِحَالةٌ، عليها قطيفةٌ مِن ديباجٍ؛ فقال: أقد وضَعتَ السلاحَ يا رسولُ اللهِ؟ قال:"نعم". قال جبريلُ: ما وضَعتِ الملائكةُ السلاحَ بعدُ وما رجَعت الآن إلَّا مِن طلبِ القومِ، إن اللَّهَ يَأْمُرُك يا محمدُ بالسيرِ إلى بني قريظةً، وأنا عامدٌ إلى بنى قُرَيظةَ. فأمَرَ رسولُ اللهِ ﷺ منادِيًا، فأذَّن في الناس أن:"من كان سامعًا مُطيعًا فلا يُصَلِّينَّ العصرَ إلا في بني قريظةَ". وقدَّم رسولُ اللهِ ﷺ عليَّ بنَ أبي طالبٍ ﵁ برايتِه إلى بني قريظةَ، وابتدَرها الناسُ، فسار عليُّ بنُ أبي طالبٍ ﵁، حتى إذا دنا مِن الحصونِ، سمِع منها مقالةً قبيحةً لرسولِ اللهِ ﷺ منهم، فرجَع حتى لَقِى رسولَ اللهِ ﷺ بالطريقِ، فقال: يا رسولَ اللهِ، لا عليك ألَّا تدنوَ مِن هؤلاء الأحَابثِ (٢). قال:"لم؟ أَظُنُّك سمِعتَ لى منهم أذًى". قال: نعمْ يا رسولُ اللهِ ﷺ. قال:"لو قد رأَوْنى لم يَقولوا من ذلك شيئًا". فلما دنا رسولُ الله ﷺ من حصونِهم، قال:"يا إخوانَ القردةِ، هل أخزاكم اللهُ، وأنزَل بكم نقمته؟ ". قالوا: يا أبا القاسمِ: ما كنت جهولًا. ومرَّ رسولُ اللهِ ﷺ على أصحابه بالصَّوْرَيْنِ (٣) قبل أن يَصِلَ إلى بني قريظةَ، فقال:"هل مرَّ بكم أحدٌ؟ " فقالوا: يا رسولَ اللهِ، قد مرَّ بنا دِحيةُ بنُ خليفةَ الكلبيُّ، على بغلةٍ بيضاءَ، عليها رِحَالةٌ، عليها قطيفةُ ديباجٍ. فقال رسولُ اللهِ ﷺ: "ذاك جبريلُ
(١) زيادة مِن مصدرى التخريج. (٢) في م: "الأخباث". (٣) الصَّوْرَين: موضع قرب المدينة البلدان ٣/ ٤٣٥.