وأما "النَّبْذُ" فإن أصلَه فى كلامِ العربِ الطَّرْحُ، ولذلك قيل للملقوطِ: المنبوذُ. لأنه مطروحٌ مرمىٌّ به، ومنه سمِّى النبيذُ نبيذًا، لأنه زبيبٌ أو تمرٌ يُطرَحُ فى وعاءٍ، ثم يعالَجُ [بما عُولج به](١)، وأصلُه "مفعولٌ" صُرف إلى "فعيلٍ"، أعنى أن النبيذَ أصلُه منبوذٌ، ثم صُرِف إلى "فعيلٍ"، فقيل: نبيذٌ. كما قيل: كفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دهينٌ. بمعنى مخضوبةٍ ومدهونةٍ. يقالُ منه: نبَذتُه أنبِذُه نَبذًا. كما قال أبو الأسودِ الدُّؤلىُّ (٢):
نظَرتَ إلى عُنوانِه فنبَذتَه … كنَبْذِكَ نعلًا أخلَقَتْ مِن نِعالِكا
كما حدَّثنا بشرُ بنُ معاذٍ، قال: ثنا يزيدُ بنُ زريعٍ، قال: ثنا سعيدٌ، عن قتادةَ: ﴿نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ يقولُ: نقَضه فريقٌ منهم (٣).
حدَّثنا القاسمُ، قال: ثنا الحسينُ، قال: حدَّثنى حجاجٌ، عن ابنِ جريجٍ قولَه: ﴿نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾. قال: لم يكنْ فى الأرضِ عهدٌ يعاهِدون عليه إلا نقَضُوه، ويعاهِدونَ اليومَ ويَنقُضون غدًا. قال: وفى قراءةِ عبدِ اللهِ: (نقَضه فريقٌ منهم)(٤).
(١) فى م: "بالماء". (٢) فى م: "الديلى"، وفى ت ٢، ت ٣: "الديلمى". والبيت فى مجاز القرآن ١/ ٤٨، واللسان (خ ل ق، ع ن ن). (٣) أخرجه ابن أبى حاتم فى تفسيره ١/ ١٨٤ (٩٧٥) من طريق يزيد به. (٤) عزاه السيوطي فى الدر المنثور ١/ ٩٥ إلى المصنف، وقراءة ابن مسعود ذكرها ابن عطية فى المحرر الوجيز ١/ ٣٣٦، وأبو حيان فى البحر المحيط ١/ ٣٢٤.