مجاهدٍ في قولِه: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾. قال: أئمةً نقتدِى بمَن قبلَنا، ونكونُ أئمةً لمن بعدَنا (١).
حدَّثنا الحسنُ، قال: أخبَرنا عبدُ الرزاقِ، قال: أخبَرنا ابن عيينةَ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾. قال: اجعَلْنا مُؤتمِّين بهم، مقتدِين بهم (٢).
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصوابِ قولُ مَن قال: معناه: واجعَلْنا للمتقين الذين يتقون معاصيَك، ويخافون عقابَك، إمامًا يأتمون بنا في الخيراتِ. لأنهم إنما سألوا ربَّهم أن يَجعَلَهم للمتقين أئمةً، ولم يسألوه أن يجعَلَ المتقين لهم إمامًا.
وقال: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾. ولم يَقُلْ: أئمةً. وقد قالوا: ﴿وَاجْعَلْنَا﴾. وهم جماعةٌ؛ لأن "الإمامَ" مصدرٌ من قولِ القائلِ: أمَّ فلانٌ فلانًا إمامًا. كما يقالُ: قام فلانٌ قيامًا، وصام يومَ كذا صيامًا. ومَن جمَع الإمامَ أئمةً، جعَل الإمامَ اسمًا، كما يقالُ: أصحابُ محمدٍ إمامٌ، وأئمةٌ للناسِ. فمَن وحَّد قال: يأتمُّ بهم الناسُ. وهذا القولُ الذي قلناه في ذلك قولُ بعضِ نحويِّى أهلِ الكوفةِ (٣).
وقال بعضُ أهلِ البصرةِ مِن أهلِ العربيةِ: الإمامُ في قولِه: ﴿لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾. جماعةٌ، كما تقولُ:[فإنهم عدوُّك](٤). قال: ويكونُ على الحكايةِ، كما يقولُ القائلُ - إذا قيل له: مَن أميرُكم؟ -: هؤلاء أميرُنا. واستشهَد لذلك بقولِ الشاعرِ (٥):
(١) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٨/ ٢٧٤٢ من طريق سفيان به نحوه. (٢) تفسير عبد الرزاق ٢/ ٧٢. وعزاه السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٨١ إلى عبد بن حميد. (٣) ينظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٢٧٤. (٤) في م: "كلهم عدول"، وينظر ما سيأتي في ص ٥٩١. (٥) الخصائص ٣/ ١٧٤، واللسان (ظ هـ ر)، ومغنى اللبيب ص ١٧٧، وشرح شواهد المغنى ٢/ ٥٦١.