وقد بَينَّا مَعْنى الدارِ الآخرةِ فيما مضى بما أغْنَى عن إعادتِه في هذا الموضعِ (١).
وأما تأويلُ قولِه: ﴿خَالِصَةً﴾ فإنه يعني به: صافيةً. كما يُقالُ: خَلَص لي [هذا الأمرُ](٢). بمعنى: صار لي وَحْدى وصَفَا لي، يُقالُ منه: خَلَصَ لى هذا الشئُ فهو يخْلُصُ خلوصًا وخالصةً. والخالصةُ مصدرٌ، مِثْلُ العافية، ويقالُ للرجلِ: هذا خُلْصَانى. يعني به: خالِصَتى مِن دونِ أصحابِى.
وقد رُوِىَ عن ابنِ عباسٍ أنه كان يَتأولُ قولَه: ﴿خَالِصَةً﴾: خاصةً. وذلك تأويلٌ قريبٌ مِن مَعْنى التأويلِ الذي قُلْناه في ذلك.
حدَّثنا أبو كريبٍ، قال: ثنا عثمانُ بن سعيدٍ، قال: ثنا بشرُ بن عُمَارةَ، عن أبي رَوْقٍ، عن الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ قولَه: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ قال: قلْ يا محمدُ لهم -يَعْنى اليهودَ- إن كانت لكم الدارُ الآخرةُ، يَعْنِى الخيرَ (٣) ﴿عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً﴾. يقولُ: خاصةً لكم (٤).
وأما قولُه: ﴿مِنْ دُونِ النَّاسِ﴾ فإن الذي يَدلُّ عليه ظاهِرُ التنزيلِ أنهم قالوا: لنا الدارُ الآخرة عندَ اللهِ خالصةً مِن دونِ جميعِ الناسِ. ويُبَيِّنُ أن ذلك كان قولَهم -مِن غيرِ اسْتِثناءٍ منهم مِن ذلك أحدًا مِن بنى آدمَ- إخْبارُ اللهِ عنهم أنهم قالوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾. إلا أنه قد رُوِىَ عن ابنِ عباسٍ قولٌ غير ذلك.
(١) ينظر ما تقدم في ١/ ٢٥١، ٢٥٢. (٢) في م، ت ١، ت ٢، ت ٣: "فلان". (٣) كذا في النسخ، وفى الدر المنثور: "الجنة". (٤) عزاه السيوطي في الدر المنثور ١/ ٨٩ إلى المصنف.